كانَ وجههُ منحوتًا، لامعًا تحتَ شمسِ الغروبِ الذّهبيّةِ، بعينين خزفيّتين خضراوين، وبشرةٍ قمحيّةٍ فاتحةٍ، وندبةٍ طويلةٍ تمتدّ في خدّه الأيسر، وشعرٍ أسودَ حريريٍّ يصلُ إلى كتفيه، كلّ ذلك جعلهُ يبدو كتمثالٍ من الشّمعِ. لم تكن تتذكّر إن كانتْ قد رأتهُ من قبل، لكنّ شكلهُ كان مألوفًا إلى حدٍّ لا يوصف.
تدفّقت كلّ هذه الأفكارِ في رأسها قبلَ أن تستوعبَ أنّه في مكتبتها، والأبوابُ والنّوافذُ مقفلةٌ والليلُ على وشكِ الحلول، فنهضت عن الكرسيّ بحذرٍ ووقفت مقابلةً له ليخرج تمامًا من خلف المكتبةِ ويحدّق بها؛ هسهست دونَ أن تقدرَ على إخفاءِ رعشةٍ تكبّل صوتها: «من أنت؟ وكيف دخلتَ المكتبة؟»
«أهذا هو ما يخيفكِ حقًّا؟» خلا سؤالهُ من أيّة سخريةٍ أو تلاعبٍ وبدتِ ابتسامته التي أبرزت غمّازةً غائرةً في خدّه الأيمنِ وديعةً. كان وجههُ صافيًا كنهرٍ، يعطي شعورًا غامضًا بالألفةِ كأنّها تعرفهُ من قبل. أجابتهُ دونَ أن تتخلى عن نظرتها الحادّة: «أجل، ألا تظنّ أنّ دخول وخروج شخصٍ ما هنا دون معرفتي مخيفٌ قليلًا؟»
رأتِ الاستغرابَ يشعّ في عينيه، لم تكنْ تفهمُ ما الذي يفترضُ بهِ أن يكون مخيفًا فيه، دقّقت في شكلهِ علّها تميّز المخيفَ لكنّها كلّما حدقت تفاجأت بوداعة ملامحه. قال: «لم يكن هذا ما قصدته.»
«لمَ قد أخاف منكَ؟» صرّحت بالسؤال الذي يضربُ في ذهنها؛ إنهُ إنسانٌ عاديٌّ، وإذا فكّر بالأمرِ للحظةٍ سيجدُ أنّه من ينبغي عليه أن يخافَ منها.
لم يزل الاستغرابُ من نظرته، لكنّ روينّا استطاعت أن تميّز سرورًا تبدّى في ابتسامةٍ غيرِ مرئيةٍ أزهرت في أن غارت غمّازته قليلًا، ثمّ سأل: «ألم تسمعي قصصًا عنّا؟»
لم تستطع منعَ نفسها من إطلاق قهقهةٍ واضحةٍ، قبل أن تقول بصوتّ أعلى ممّا كانت تريد: « انظر إليّ! إن كنتُ أصدّق القصص التي يقولونها سأقتنع أنني سليلة شياطين.»
تفحّصها دونَ أن يتبدّلَ سكونُ ملامحه، ثمّ نظر إليها كأنّه يستفسرُ عن المطلوبِ لفعله؛ فأجابت سؤاله الذي لم يسأله: «أجبني، من أنت؟ وكيف صرتَ هنا؟»
«أنا ڤيتالي...»
***
فيما ترتفعُ شمسُ الشّروقِ خلفَ الجبالِ ببطءٍ، كان صغيرٌ في الخامسة عشرة يلعنُها لأنّها أشرقت مبكرةً، ويركضُ بقدمين حافيتينِ فوقَ الأعشابِ الجافّة محاولًا أن يجعل خطاهُ خفيفةً كخطا هرٍّ. بدت السّماء لوحةً زيتيّةً في ذلك الفجر من أواخر الصيفِ، حيثُ اكتست لونًا بنفسجيًّا فاتحًا تتخلّلهُ شرائطُ صفراءُ من الأشعّة الدّافئة. ومع أنّ ڤيتالي صعدَ هذه التلالَ مرّاتٍ لا تحصى دونَ كللٍ كانتْ كلّ خطوةٍ تجرّه إلى الأسفل هذه المرّة.
كانت الحقولُ مبهرةً أسفلَ التّلال، لكنّه لم يكنْ يمتلكُ رفاهيةَ التمتّعِ بمنظرها، ولا رفاهيّة الحزنِ على أبيه الذي فقده منذُ أيّامٍ؛ كانَ عليهِ الآن أن يرحل. يمكنُ للإنسانِ أن يشعرَ حينَ يكونُ آمنًا فقط.

??? ????
???????? ????????.
Romance???? ????? ???? ???? ?? ???? ???? ????? ?????? ???? ???? ?? ????? ???. ?????? ?? ?????? ????????? ????? ????? ????.