أنا و أنتِ مثل الحادي و الثلاثين من ديسمير و أول يناير
قريبون جدا لكن بيننا عام..
........................................................................................................................................
صوت الموسيقى كان قويا لكن بشكل يبث داخلك حماسا أكبر مما قد يكون في أي مكان آخر..نوع الموسيقى الذي كلما كان قويا كلما تريد القفز و الصراخ معه..
سوناينا كانت تبتسم ورفعت رأسها ناحية ديموس جانبها و الذي كان أيضا مبتسما وهو يراقب العرض الغنائي و أضواء المسرح تنعكس على وجهه تريها وبوضوح أنه سعيد بوجوده هنا..و الآن هي ممتنة لأنها لم تأتِ مع أحد آخر و أنها لم تفعل كما تفعل دوما..تهمل التذاكر و تظل في منزلها تشاهد التلفاز بينما تتناول صحن فواكه..
كان يرتدي قبعة بيسبول بالمقلوب ولم تعرف أن أرتداء قبعة بيسبول بالمقلوب قد يكون شيئا مثيرا سوى وهي ترى عادة ديموس التي يفعلها دوما و باتت تراها شيئا مثيرا للإهتمام..قميصه كان رماديا و سرواله سروال جينز بينما هي ثيابها مشرقة أكثر رغم أن شخصيته هو مشرقة أكثر مع ذلك ثيابه تميل غالبا للألوان الحيادية...
ما كان يجعل قلبها ينبض بسرعة ليس فقط صوت الموسيقى الصاخب أو ابتسامته بل شيء آخر..
أخفضت أعينها تتبع يدها أين كان ديموس يلف يده حول خاصتها ولم يفلتها منذ قدومهما و وصولهما لأماكنهما في الحفل الغنائي أي منذ حوالي نصف ساعة..
الحفل لم يكن حفلا بمقاعد أو في ملعب بل كان أقرب لمهرجان موسيقي مثل الكوتشيلا ..مسرح كبير في العراء..أضواء من كل زاوية موسيقى حماسية و جماهير متفاعلة بثياب ملونة و سعيدة..و الهواء في الليل كان سببا آخر ليستمتع الناس به ..الرياح كانت باردة قليلا وهو نعمة مع وجود كل هذه الجماهير و الحر في الصيف..
فجأة انتهى عرض الفنان الحالي و صرخ الجماهير له ومع كلماته التوديعية وهو يغادر المسرح ليحين دور الفنان بعده..
استغل ديموس تلك الفرصة ليستدير لها و أخيرا بابتسامته المشرقة ولعله تفاجئ حين وجدها تحدق به لأن رمش كما لو لم يتوقع ذلك..لكن ابتسامته لم تخف بل اتسعت أكثر وهو يقترب منها يتمتم ..
" شكرا لدعوتي ..هذا ممتع.."
لما هي متوترة ؟ لا تعلم ..
المهم أنها مسحت على خصلاتها و أومأت له بصمت و لو لم تعرف لقالت أنها خجلت من هذا ..ما خطبها ؟ هو فقط شكرها ..لما تشعر كأنها قامت بشيء خطير سيفضح مشاعرها...
لعله علم سبب تهربها من أعينه لأنه ضحك بخفة وصوت ضحكته تردد موجات موجات في صدرها حتى وهناك أصوات قوية حولهما..
بعدها شعرت بضغطة يده على خاصته كما لو يخبرها أنه هنا و أنه لا بأس...
لا بأس بأي كان ما تشعر به..
فجأة تعالى صوت الجماهير حين سمعوا صوت لحن أغنية يعرفونها للنيجيري آساكي ..
ثوان فقط و حتى بدأ الجمهور يغنون معه الكلمات و صارت الصوت قويا و مرتفعا لدرجة أن ديموس التفت لها و تحدث بصوت عالي يسأل :
" ما معنى الكلمات التي يقولها ؟.."
منحته سونينا نظرة جانبية و صمتت ..
هي لا تتحدث النيجيرية لكنها تعرف معنى الأغنية لانها اشتهرت مؤخرا هنا و من المنطقي أن تبحث عن معنى أغنية انتشرت.. ...الكلمات ليست شيئا ستود شرحه لديموس..
لهذا نظرت له وهي تعض على لسانها كل لا تبتسم ولعله علم أن كلمات الأغنية غير مناسبة لأنه هز رأسه بابتسامة و واصل النظر للعرض على المسرح و ينظر للناس حوله يغنون مع كلمات الأغنية كأنهم يصرخون من أرواحهم وكل ما كان يسمعه هو عدة كلمات مبعثرة منها بانانا..وسلطانة و بون بونا زول زول و فافاريفا..
لهذا ضحك وهو يستمتع بالأغنية غير مهتم بمعرفة معناها..
تتالت الأغاني و العروض في المهرجان واحدة تلو الأخرى..أحيانا أغاني هادئة تجعل وتيرة الجمهور منخفضة وهم يشعلون النور من هواتفهم و أحيانا يراقصون بعضهم مع هواء الليل كأنهم أزهار تتحرك ..مرات تكون أغاني صاخبة تجعل الجميع يصرخون و يقفزون لدرجة تهتز الأرض من تحتهم..
وصلوا لأغنية من جنوب إفريقيا بالزولو جعلت الجماهير تغني بأعلى صوت و ديموس يضحك باستمتاع من كل ما يحدث..
كان لا يفهم شيئا من اللغة لكنه لا يحتاج ذلك ليرى الإستمتاع و يستمتع بالجو الجميل..يده على خاصتها لم يفلتها كأنه لو فعل يخاف أن تضيع منه في وسط الجماهير وكان يتمتم الكلمات مع الناس حين يفعلون يردد فقط الكلمات التي يرصدها يدفع سوناينا لتضحك بخفة على ذلك و على اللهجة التي دمرها..حتى حين حاولت تصحيح النطق له فشل فشلا ذريعا يدفعها لتضحك أكثر ..
استمرا هكذا لفترة طويلة عرضا بعد عرض حتى صارت الوقت قريب من منتصف الليل فانتقلا للجهة الأخرى من المهرجان الموسيقي أين هناك بار للشراب و أشخاص يثملون و يرقصون..
أصوات الموسيقى من العروض كانت قوية لدرجة يسمعونها من مكانها لكن الحشد أقل مما يسمح لهما التنقل بسهولة أكبر..
المنظر أمامها كان ظهر ديموس لأنه كان يسير أولا ليفسح الطريق لها و يمسكها من يدها يسحبها بخفة معه حتى لا تصطدم بأحد أو تتعرقل..قبعته لا تزال مقلوبة و الأضواء المنخفضة في المكان ترسم تقاسيم وجهه كل مرة يلتفت خلفه ليمنحها ابتسامة ويتأكد أنها بخير خلفه و لم تتضرر من الحشد..
الأمور البسيطة التي يفعلها كانت دافئة أكثر من كل شيء أكبر قد يقوم به أي أحد لها..
كيف كل مرة حين تريد الجلوس في مقعد قربه يمسك الكرسي يعدله و يتأكد من أنه ثابت و غير منكسر دون أن يلاحظ أحد قبل أن تجلس عليه..كيف يدفع هاتفها و مفاتيحها لحافة كل طاولة لأنه يعلم أنها حين تغادرالمكان تريد وصولا سريعا لهما ولو استغرقها الأمر ثوان لتمد يدها نحوهم و تاخذهم ستنزعج ..كيف حين تخرج في الصباح لتركض و تجده بانتظارها أول شيء يتفقده بعد ملامحها هو حذائها ليتأكد أن خيوطها مربوطة ولن تعرقلها ..دوما يتأكد من ذلك و يتأكد من أن عجلات دراجتها الهوائية غير مرتخية قبل أن يتأكد من خاصته حين يقوما بالقيادة قرب الساحل ...
تبا..
مدت سوناينا يدها لوجنتها لتتأكد هل هي تشعر بدفئ هناك بينما تحدق بظهره و ذراعه الممتدة ليمسك بيدها أم تتخيل ؟..
تبا..
توقفا أمام البار و فورا أفلتها ديموس لتجلس على المقعد و وقف قربها..قريب جدا لدرجة يلامس ذراعه خاصتها..
طلبت لنفسها شرابا به عصير الفاكهة و احتسته سريعا دفعة واحدة قبل أن تطلب آخر لأنها تشعر بالأدرينالين و بالحرارة التي لا يمكن تفسيرها في وجنتيها..
" ألن تشرب ؟.."
" لا.."
أجابها فورا وهو يمنحها إبتسامة ولسبب ما رقت ملامحها لأنها تعلم أنه لن يشرب كي يستطيع مراقبتها و أخذها للمنزل..
تبا..
هي عادة لا تشرب كثيرا و لو فعلت مشروباتها تكون كوكتيل فواكه به قليل من الكحول ..لم يسبق أن شربت حد الثمالة لكنها اليوم تريد الإرتخاء قليلا و تستمتع لهذا احتست الكأس الثاني دفعة واحدة ورمشت على طعمه القوي..مرة فترة طويلة منذ أن احتست شيئا قويا..دوما مشروباتها الكحولية ممزوجة بعصير فواكه لجعلها أخف..
رن هاتف ديموس و أخرجه من جيبه بتفقد هوية المتصل و أيا كان ما رآه جعلت تقطيبة تظهر بين حاجبيه و رد فورا بالإيطالية :
" كوسيمو ؟ هل حدث شيئ ما لتتصل الآن ؟..."
كانت تحب حين يتحدث بلغته الأم..لهجته و نبرته كانت تتغير كليا كأنه شخص آخر ..مجددا لمست وجنتها لتتأكد أنها لا تحرج نفسها بالأحمرار..لذا سارعت تبعد أعينها عنه و تحتسي من الكأس أمامها لكن الأمر لم يدم طويلا لأنها أعادت أعينها صوبه فورا...
لم تعرف ما الذي يدور عنه الحوار لأنها لا تفهم اللغة لكنها كانت تحب سماع صوته يتحدث بها ..
ديموس وضع يده حول أذنه يجاهد ليستمع للمكالمة رغم الأصوات الصاخبة حولهما لكنه لم ينجح فمرر أعينه حولهما كما لو يبث عن مكان هادئ أكثر لكنه لم يتحرك ليغادر خشية أن يتركها لوحدها ..
لم يكن قادرا على السماع جيدا و صوته مرتفع حتى يسمعه الطرف الآخر لذا لمست ذراعه بخفة و أشرات له بهمس بشفاهها أن لا بأس أن يغادر ليتحدث وستنظره هنا..
زم شفتيه قليلا يرفض تركها لوحدها هنا مع ذلك حين استمر ت المكالمة تحرك ليغادر و انحنى لها ليتمتم بالإنجليزية :
" لن أتأخر..أخي يريد إخباري بشيء ما مهم .."
أومأت له فمنحها ابتسامة خافتة قبل أن يتحرك و يغادر يتجه نحو المكان الذي يخرج منه الناس نحو سياراتهم المركونة في المهرجان الليلي هذا و راقبته هي بأعينها الخضراء يدس يديه في جيب سرواله و يتحدث ترى عضلات ظهره تتحرك و تنقبض مع كل خطوة له..
ظهرت ابتسامة خافتة على شفاهها وهي تحتسي ما تبقى في كأسها دفعة واحدة ترمش لما شعرت بتأثير الكحول بدأ في جسمها ..
طلبت كأسا آخر من الساقي لأنها تشعر بالعطش الليلة و شيء حارق داخلها تريد إطفائه .. و ما كادت تعتدل في جلستها حتى سمعت شخصا يناديها ..
" سونا ؟.."
التفتت ناحية الصوت و فور رؤيتها لهوية من ناداها اختفت ابتسامتها و ملامحها المرتخية تعود للبرود ..
ميسولو..
آخر رجل اقترب منها قبل ديموس ..
شخص حتما لا تود رؤيته هنا ولا الآن ولا في أي وقت..
شعره كان على شكل ضفائر كورنروز قميصه أبيض بنقاط سوداء و هناك قلادات فضية حول رقبته و كأس شراب بين يديه ..منحها إبتسامة واسعة لكن أعينه تحمل لمعة شيء لا تحبه ..
شيء سيء جعله علاقة سيئة أخرى في حياتها...
" سوناينا بوكا في حفلة موسيقية ؟ لم أكن لأتصور هذا .."
قالها وهو يتقدم منها ببطئ بينما يمرر اعينه عليها من الأعلى للأسفل و رأت نفس الشاب الذي لاحقها في الجامعة لتخرج معه في موعد وندمت لأنه كان سيئا..لم يكن من النوع العنيف ..لم يكن مجرما ولم يكن يمد يده على شخص فقط لأنه يستطيع..كان أسوأ..كان من النوع الذي يمارس معك الألاعيب النفسية و يحاول التحكم بك بطريقة ذهنية بحيث لا تعرف حتى أنه يتلاعب بك..واعدته لشهرين و أرهقها لدرجة شعرت أنها كبرت عشرين سنة في الشهرين بينهما..
ونوعا ما هو السبب في أنها كرهت الرجال مرة أخرى بعد والدها..
الآن كان يتقدم منها كأنه يعرفها أكثر من كل شخص و حقيقة أنه وجدها في حفلة وهي تكره الحفلات تؤكد أنه سيقول شيئا بعدها سيزعجها أكثر ..
" لا تقولي أنك هنا مع آنيا ؟ ذلك سيكون كئيبا لكن مجددا لا أتوقع غير ذلك منك.."
أجل كانت محقة..لقد كان ساما مثل آخر مرة بالضبط..
حديثه قاله بابتسامة وهو يجلس على الكرسي قبلها لكنه قال أشياء كانت ستؤذيها لو لم تكن تعرف نوعيته..حقيقة أنها شخص لا يستطيع و لا يعرف كيف يستمتع ..حقيقة أنها لن تأتي إلا مع فتيات ..حقيقة أنها بعده لن تتجرأ على مواعدة شخص آخر كأنها بخسارته لن تعرف الربح في العلاقات مرة أخرى..حقيقة أنه لا يتوقع منها غير الكآبة كأنه يلمح لها أنها السبب في انفصالهما..
لهذا منحته نظرة باردة قبل أن تبعد اعينها عنه و تحتسي شرابها تتجاهله ..
" تشربين الكحول ؟ اعتقدت أنك لا تحبينه بسبب والدك.."
تجمد جسدها مكانها ورمقته بنبرة أشد برودة من سابقتها وهو لم يفعل شيئا سوى أن اتسعت ابتسامته..
سبب أنها لا تشرب الكحول كثيرا و لا تثمل هو بالفعل والدها ..و الآن ندمت أكثر لأن شخصا مثله يعرف بنقطة ضعفها و بأحد أسرارها..
بحق الرب كيف واعدت شخصا مثله من قبل ؟ أين كان عقلها لما وافقت ؟..لا تصدق أنها تعرضت لضغط المجتمع في سن التاسعة عشر و واعدت شخصا مثله فقط لأن الجميع يواعدون و اكتسبت أسوأ تجربة بسببه..
مرت سنوات على مرحلة الجامعة ومع ذلك لا تزال نادمة عليه..
" لا أريد رؤيتك.."
تمتمت له هذا ببرود و هي تحتسي ما في كاسها دفعة واحدة لكنه تجاهلها ولم يغادر بل اعتدل في جلسته و شرب من كأسه ينظر لها دون توقف من رأسها لأخمص قدميها ..
أبعدت نظرها عنه تنقل أعينها ناحية ديموس تتأكد أنه لا ينظر ناحيتها..
حركة خاطئة لأن أعين ميسولو تتبعت حركتها و وقعت أعينه على ديموس ..
ثوان فقط حتى ظهرت على وجهه.. إبتسامة ليست طيبة و لا مستمتعة و لا لطيفة بل ابتسامة تحمل أثر شيء سيء سام..
" أنتِ هنا معه ؟.."
مجددا ظلت سوني تتجاهله تأمل أنها لو تجاهلته أكثر سيمل و يغادر لكنه لم يفعل ..بدا كأنه وجد لعبته المفضلة..
ديموس كان يقف في الناحية الأخرى قرب المرأب بعيد عنها بأمتار كثيرة و يعطيها بظهره..كانت ترى عضلات ظهره تنقبض مع حركته وهو يتحدث في الهاتف وكيف رفع ذراعه و قام بقلب قبعته كما يفعل دوما كأنه صبي يافع ..
لا تعلم بأي طريقة كانت تحدق بديموس لكنها لو حدقت به كما تفعل دوما بتلك النظرة و الرقة في أعينها فقد انتبه ميسولو لذلك لأن ابتسامته اتسعت و ضحك بخفة يحتسي المزيد من كأسه قبل أن يقرب كرسيه منها يتجاهل تحذيراتها و يهمس لها كالأفعى :
" تواعدين أجنبيا ؟ لم أدرك أنكِ ستصلين لهذا المستوى بعدي سونا .."
تكره ما يقوله..تكره صوته..وتكره أنه يناديها سونا..
انقبض فكها و احتست ما في كأسها دفعة واحدة قبل أن تلتفت له حتى ارتطمت ركبتها في ركبته و واجهته بأعينها الباردة تقول :
" سأقولها للمرة الأخيرة ميسولو..غادر .. حقيقة أنك تعتقد نفسا مهما أكثر من مجرد خطأ مراهقة يعني أنك لا زلت كما كنت ..مجرد طفل يعيش في وهم بمال والده و يعتقد نفسه شخصية مهمة..وجهك يذكرني لما والدك أرسلك لكيب تاون و هاجر هو لجوهانسبورغ..صدقني لا أحد يريد العيش في نفس المدينة مع شخص مثلك .."
حددت هدفها و أطلقت عليه بوضوح و دون لف و دوران..لأن إبتسامة ميسولو اختفت وانقبض جسده..
كان قد أتى هنا ليسحب ماضيها ضدها و لا تمانع فعل نفس الشيء معه..
تحرك ميسولو يقف من مقعده يقترب منها وهي جالسة يحاول إخافتها بهذه الوضعية لكنها فقط استندت بمرفقها على البار و رفعت حاجبها له ببرود..
" حتى أمكِ أحبت رجلا ليس من هنا ..النتيجة ؟ ميتة كالجرذ .."
ما قاله فاجئها لأنها لم تتوقع يوما أن يقول أحد شيئا بهذا السوء عن أمها ويصفها بالجرد بسبب سوء ميتتها ..لدرجة شعرت برجفة في صدرها و بأنفاسها تحبس ..
أن أمها أحبت شخصا ليس من هنا و قتلها ذلك الشخص..لقد صفعها دون صفعها يعيد فتح كابوس لها تركته في غرفة المعيشة قبل سنوات ..
لقد رسم في ذهنها صورة بشعة لأمها على الأرض ميتة ثم تلك الصورة تم استبدالها بصورتها هي ميتة على الأرض..
" تعتقدين أن علاقتك مع رجل أجنبي سيغادر في النهاية ستجعل حياتك أفضل؟ أنتِ المشكلة سونا و ليس الرجال .. لم تسمحي لي حتى بلمس يدك من قبل ..ليس و كأن هناك شخصا سيقبل بلمس فتاة سينتهي بها الأمر كأمها يوما ما .."
استغرقها الأمر ثوان لتستوعب ما قاله لها و تخرج من تفاجئها ..
ملامحها شحبت و أصابها غثيان مما قاله و من الكحول و من الذكريات..
كلماته أصابتها كصفعة باردة..كأن الهواء أصبح رقيقًا من حولها.. ذكريات نهاية والدتها المأساوية تومض في ذهنها.. تذكرة مؤلمة بالضعف الذي شعرت به في علاقتها مع ديموس.. الأجنبي الذي بدا حبه جميلًا للغاية ليكون حقيقيًا وهشًا للغاية ليبقى..
مع ذلك ابتلعت ريقها ترمش تعيد البرود لملامحها و وقفت و قبل أن يرمش حتى صفعته..
صفعته صفعة قوية لدرجة أن الأشخاص في البار حولهما التفتوا ناحيتهما حتى الساقي توقف عن خلط الشراب بين يديه و نظر ناحيتهما يفكر في التدخل فورا...
أمسك ميسولو وجنته موضع الصفعة و انقبض فكه وقتها ومن لغة جسده علمت سوني التالي..
علمت فورا لأنها رأت نفس الأمر من قبل مع والدها حين استفزه والدتها و يستعد لضربها..
رأت و بالضبط كيف رفع ميسولو يده ينوي ضربها على وجهها لكن قبل أن ترمش أو تغمض أعينها أمسك شخص ما يده ..
شخص ما وقف بينها و بين ميسولو يمسك يده التي كانت ممتدة نحوها ..
ذلك الشخص كان ديموس و ظهره غطاها كليا لدرجة لم تر ميسولو..
انكمشت ملامحها لرؤية المنظر لأنها تعرف ما سيحدث بعدها..
بينما ديموس كان يمسك ذراع الرجل بقوة التفت لها ولأول مرة ترى ملامحه هكذا..دون ابتسامة دون لمعة مرح..كان غاضبا فكه منقبض وكذلك جسده بالكامل كأن ما رآه الآن كان سيئا لدرجة شخص ما سيدفع الثمن..
مرر ديموس أعينه الزرقاء على وجهها كما لو يبحث عن شيء ما ولعله قرأ ما هناك..المشاعر السيئة التي خلفها ميسولو فيها وكيف ضمت يديها حول نفسها كما لو تحاول حماية نفسها..
أيا كان ما رآه فهو جعله يلتفت لميسولو ودون تردد لكمه بقوة لوجهه لدرجة ارتطم رأس ميسولو بالبار و وقع أرضا..
تأوه ميسولو وأمسك جبينه الذي نزف عند ارتطامه و وقف ليضرب ديموس لكن ديموس كان غاضبا أكثر لأنه ما أن وقف حتى ضربه مجددا يعيده للأرض ..
كانت ثوان حتى نشب شجار بينهما ..
سوناينا تكره العنف والذكريات التي أثارتها عن والدها العنيف..لذا أغلقت عينيها تمسك بكأسها كما لو كان يمكنه تثبيتها في العاصفة التي تقام حولها..
عندما فتحت عينيها مجددا كان ميسولو على الأرض فمه ينزف لكنه لا يزال يبتسم بابتسامة ملتوية..
" أترين؟ قلت لكِ.. إنه عنيف مثل والدك و ستنتهي ميتة على يده .. تمامًا مثل والدتك..."
نبض قلب سوناينا بسرعة في صدرها ونفسها يأتي في نوبات قصيرة.. الشك والخوف اجتاحها.. يهمسان بأن ميسولو قد يكون على حق.. فكرة اللعنة..القدر الذي لا يمكن الهروب منه.. تشدد حولها كحبل مشنقة.. هل هي محكومة بتكرار مصير والدتها؟
أتى أشخاص من حولهم رجال و ساقي البار و فكوا الشجار بين ديموس و ميسولو وحين تم اقتياد ميسولو بعيدا وقف ديموس مقتربا منها تعبيره مزيج من القلق والغضب لكن ليس غضبا منها ..
التفت نحوها و مد يده لها كما لو ينوي لمسها لكنها تراجعت بملامح منكمشة وهي تضم يديها حولها..كانت هناك ارتعاشة خافتة على شفتها السفلى.. عند رؤية ذلك سقطت ملامح ديموس وسرعان ما ظهر ألم في حدقيتاه لرؤيتها تأخذ خطوة بعيدة عنه ورغم أن ميسولو تم اقتياده بعيدا إلا أنه يشعر أن الضرر حدث بالفعل...
كان صوت ديموس ناعمًا يكاد يكون متوسلًا وهو يخبرها :
"سوناينا.. هل أنتِ بخير؟"
لم تستطع مقابلة نظراته و النظر لوجهه حتى وهذا جعل قلبها يؤلمها..ثقل كلمات ميسولو وعدم أمانها سحقها... الليلة هو الوقت الخاطئ لتتذكر أمها وما وقع..
لهذا لم تجبه بل ذهبت و جلست على كرسي البار ترفض الحديث و ترفض النظر لها..
تبعها ديموس يجلس قربها و أعينه عليها كأنه يترقب ردة فعل منها أو سماع صوتها..
لكنه بدل ذلك رآها تحمل كأس الشراب الجديد و تحتسيه دفعة واحدة..
كان يكره هذا..سوناينا لا تحب الكحول وحقيقة أن أيا كان ما حدث الآن يجعلها تفعل كانت تضايقه أكثر من ضيقه من جهله لأي كان ماقاله لها هذا الوغد..من يكون أصلا ؟ وما الذي حدث حتى حاول رفع يده عليها ؟..
لقد غاب لدقائق يتحدث مع كوسيمو و حين التفت و رأى أنها صفعت رجلا أغلق الهاتف و ركض نحوها في الوقت الملائم..هو لم يحتج أن يسألها حتى لأنها عيرف أنها و برغم شخصيتها الباردة و التي تجعل الناس يبتعدون عنها إلا أنها لن تبادر بتاتا في التعدي على شخص ما وصفعه لو لم يفعل لها شيئا..
"أعتقد أننا بحاجة إلى بعض الوقت بعيدا .."
همست صوتها بالكاد مسموع وسط ضوضاء البار لكنه ضرب بقوة و بعنف في صدر ديموس..
" ماذا ؟.."
ولمحة من الألم عبرت وجهه وهو يضيف :
" بسبب ما حدث توا ؟ هل أنتِ خائفة مني؟"
لو قالت أجل سيكره نفسه حقا ..
لم يعتقد أنها تكره العنف..لم يسبق أن أخبرته بهذا ولم يتصور أنها قد تتصرف هكذا لرؤيته يضرب شخصا لأنه حاول ضربها..
لم تقل أجل لكنها نظرت له و ما رآه كسره..
أعينها اكتسحتها طبقة من الدموع لكنها لم تمنحه فرصة رؤية ذلك أكثر لأنها طلبت كأس شراب آخر ..
مد ديموس يده لها ليمسكها من ذراعها يديرها نحوه لكن فقط تلك الحركة التي لمسها في لثانية وهو يديرها نحوها جعلت ملامحها تنكمش..
لا شيء في حياته كسر قلبه كما فعل هذا الآن..شعر انه عاد لنقطة الصفر معها..تقدم خطوتين للأمام و عاد ألف خطوة للخلف..سابقا كانت لا تحب حين يلمسها و الآن تخاف حين يلمسها..
نظر ليديه كأنه ينظر للسبب رغم أنه يعرف أنه ليس السبب ..الدفاع عنها شيئ خارج المناقشة و سيفعلها ألف مرة وفي أي لحظة يشعر أنها في خطر ..
كان هناك دم في قبضتيه أين لكم الوغد و تمنى ولو لكمه أكثر و بقوة أكبر .. لأنه متأكد أنه قال لها شيء جعلها تغلق على نفسها وتمنع ديموس من الدخول لفقاعتها بعدما حاول لأكثر من أربعة أشهر معها لتمنحه ذلك الإذن..
" هذا كل شيء ؟ ستتخلين عنا بسهولة ؟..فقط لأنني ضربت وغدا كان على وشك رفع يده عليك ؟.."
امتلأت عيناها بالدموع ورفضت النظر له مرة أخرى تشرب من كأسها ..
"لا، ليس هذا... إنه... كل شيء. نحن مختلفون للغاية ديموس.. ستغادر في النهاية وأنا فقط لست متأكدة من أننا كنا من المفترض أن نكون معًا منذ البداية.."
تصلب جسد ديموس وملامحه أظهرت ألمه من كلماتها بوضوح .. الألم الذي كانت تعرف أنه يشعر به...
" ماذا ؟.."
همسها كأنه لا يصدق أنها قالت هذا ..هل هي ثملة ؟ هل شرب الكحول لأول مرة يجعلها تقول هذا و تجرحه كأن كل ما فعله ذهب هباءا ؟..
"أنا فقط بحاجة إلى وقت للتفكير.. أرجوك افهم.."
نبرتها منكسرة..
كانت تخبره أنها تحتاج وقتا بعيدا عنه لتفكر ؟..هو يعرف سونانيا وأنه لو منحها وقتا لتفكر ستعيد رفع كل الجدران التي هدمها و يتعود لقوقعتها لأنها تعودت على الوحدة والانطوائية و ستلجأ لها دوما عند أول خطر محدق تشعر به يقترب نحوها..
لو منحها مساحة ستتركه نهائيا..
لكن الفكرة بذاتها آلمته..لكونها قد تتخلى عنه بسهولة مماثلة..
وقفت سوناينا من مكانها تعطيه بظهرها تنوي المغادرة لكنه وقف ينعها من ذراعها..عندما شعر بجسدها يتجمد سارع يفلتها يوقل بنفس الهمس كأنه غير قادر على إستخدام صوته كليا..
" سآخذك للمنزل.."
" لا.."
قبض ديموس على كفيه و كحل أخير تمتم :
" اتصلي بآنيا..حين أتأكد أنها أتت سأغادر .."
لوهلة ظلت واقفة مكانها تعطيه بظهرها ترفض الحراك لكنها بعدها استسلمت تخرج هاتفها و تتصل بآنيا لتأتي و تأخذها..
وبينما آنيا قادمة في هذا الوقت لتقل صديقتها للمنزل ظل هو هناك واقفا معها ...
ظل هناك لأكثر من نصف ساعة يقف قربها ..هي تضم يديها حول نفسها تنظر للأمام تتجنبه كليا وهو يقف خلفها ينظر لها دون أن يرمش ..
مر حولهم الناس و مئات منهم..من هم قادمين ومن هم مغادرين الحفلة الموسيقية..من هم يضحكون ومن يغنون و يركضون باستمتاع..
هما كانا واقفان هناك في عالم لوحدهما ..
رأى ديموس من بعيد سيارة آنيا وهي تركن بملابس نومها و تنزل تبحث عنهما بأعينها..
وقت مغادرته إذن..
تحرك ليغادر و مر جانبها لكنه توقف..توقف و التفت لها حينها فقط نظرت له و رأى أعينها الخضراء التي كانت تؤلمه عند النظر لها سابقا و الأن أضعافا لأنها دامعة و تحمل انكسارا من شيء لا يعرفه حتى يحاول إصلاحه ..
وقتها تمتم لها بنبرة خافتة :
" تعرفين ما يخيفني أكثر ؟..أنني لن أكون يوما كافيا لك..مهما فعلت ومهما تقدمت نحوك لن تري يوما ما بيننا كافيا..أعرف أن قلبي يملك نقطة ضعف تجاهك لكنه ليس سببا لتستخفي بمشاعره سوناينا .."
عضت هي على شفتها السفلى كأنها تمنعها من الإرتجاف و تمنع نفسها من البكاء..
وقتها اقترب هو منها و بخفة رفع يده ..نفس اليد المدمية والتي استخدمها ليدافع عنها..هذه المرة لم تتحرك فمسح هو على وجنتها برقة و تمتم بينما ينظر لها :
" أنتِ لا تؤمنين بنا ..لا ترين الأمر كما أراه.."
قالها هكذا و فقط أفلتها يغادر المكان كليا..
أخبرته قارئة الفنجان وهو مراهق أن فتاة إفريقية ستكسر قلبه يوما ما و ضحك هو يعتقدها مزحة لأنه في إيطاليا و من النادر أن يلتقي بفتاة إفريقية..أما الآن فقد أمسك قلبه يمسح عليه بألم يشعر بأكثر من مجرد كسرة قلب ..يعر بأنها أخذت منه شيئا ما كان وسط صدره ..شعور ما..
غادر في نفس الوقت التي اقتربت آنيا تمر على ديموس و تنظر له يغير فهم لكن لما رأت سونانيا اتسعت أعينها و ركضت ناحيتها ..
كانت آنيا بثياب نومها و اقتربت من سونانينا تمسكها من كفيها ..
" سوني ؟ ما الذي حدث ؟ لما طلبتِ أن آتي إن كان ديموس هنا ؟.."
لا ترعف ما قالته بالضبط لكن لعل ذكره الإسم ديموس جعل حصون سونانينا تنهار و أخيرا وهي تسمح لدموعها بالانهمار تبكي..
فرقت آنيا شفاهها و اتسعت أعينها بتفاجئ
سوناينا تبكي أمامها..؟
سوناينا لا تبكي ..
هي لم تبكِ منذ وفاة أمها..
سارع تآنيا تمسكها من يدها تأخذها أقرب مقعد عند البار تُجلسها عليه وهي تنحني لتعانقها..
" سوني..بدأت أخاف ..ما الذي جرى ؟ هل فعل لك ديموس شيئا ما ؟.."
هزت سوني رأسها فورا بالنفي وهي تمسك رأسها بين يديها تواصل البكاء..
ما الذي حدث ؟..
لما ديموس يبدو كأن شخصا ما كسر قلبه و صديقتها تبكي كأنها تعيش كابوسا ما ؟..
🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬
احيييييييه 💀💀
لا استطيع أن أقول أن الفصل كيوت أليس كذلك ؟ 💔😭
نلتقي الفصل القادم بحول الله ..