-هادئة، مثل ساعات الليّل المُتأخرة...
.............................................................
.............................................................
صوت لعنات و سباب عالي يغادر حنجرته بينما يتجاوز سيارة ما من أمامه في الطريق الفيدرالي الحادي عشر الرئيسي ، كان إتصال رئيس الحرس جوناس الذي كلفه بمراقبة أورورا قد اتصل و قال أن شقيقته رفقة أرتونو... بل الطامة الكبرى في ذلك هو الهجوم الذي تتعرض له الآن و قد يؤدي بحياتها إلى تابوث بجثة هامدة لا حياة فيها..
الطريق الفيدرالي الحادي عشر لم يعد طريق الرئيسي لبرلين، بل أصبح ميدان سباق لسيارات أحفاد ألبرت شوارز كل من إيثان ، أنطونيو ،و كلاوديو...
إيثان لا يود تجربة ذلك الشعور من الجديد ، أن تفقد إنسان عزيز عليك شيء مؤلم جدا يشبه كثيرا أن يمسك شخصا ما فؤادك و يعتصره براحتيه ، وهو لا يستطيع خسارة أورورا مرة أخرى، صحيح أنها تسربت من بين أصابعه منذ وقت طويل لكنها كانت تتنفس على الأقل..
الغضب الذي يشعر به الآن غطى عليه الخوف و دنسه تحت جناحيه... المنطق العقلي يتنافى كُلياً مع المنطق العاطفي، فحين تعيش الصراع دائماً بين طفل في صدرك وعجُوز في رأسك، كلاهُما لا يقبل أفعال الاخر، كلاهما متمرد بطريقته...
عقله لا يتقبل أن أورورا ذهبت لمقابلة أرتونو إينفنيون بكل تلك البساطة و لم تخبر أحداََ، كأن لا أحد تحدث معها بالأمس على أنها ممنوع عليها دخول أراضيه - أراضي آل إينفـنيون - قبل إتمام الزفاف !!
من المحزن أن يفكر المرء في أنه بالفعل قد يخسر شخصا عزيز عليه ، دون معرفةٍ دقيقة باليوم والساعة، وبأنه قد يموت -هكذا- ميتة بلهاء، في اللحظة التي لاينتظر فيها أن يموت أبدًا، بعدما قرر ان تصبح علاقته مع شقيقته أحسن و يتقرب منها حتى لو كان سنتيمتر واحداََ...
يعتقد ان أورورا ضعيفة جدا، لا تستطيع حماية نفسها، لازال تفكيره و نظرته عنها عندما لاطَف أرنبة أنفها و هي بعمر دقيقتين... حبا بالله لقد قام بتربيتها و قد كان إسمه هو أول إسم نطقت به و هو من علمها خطواتها الأولى هي و أدريان !!! و عند سيرة أدريان لكم مقود السيارة بحسرة على شقيقه... تبًا... فقط تبًا على كل شيء !..
كما أن هناك فرقًا كبيرًا بين القرارات المنبثقة من رأي خاطئ ناتج عن الإنفعالات..... وتلك التي لا تستند إلا على معرفة الحقيقة !!! خصوصًا وأننا حين نتبع هذه الأخيرة فإننا نضمن ألا نأسف أو نندم على ذلك إطلاقًا.... في حين أن الأسف والندم سيكونان مصيرنا إذا اتبعنا الأولى وذلك حين نكتشف خطاها...
لكن هل تفكيره و نظرته عنها صحيحة ؟
من قتلت سبعة عشر شخصا الآن بمسدسيها اللذان كانا تحت بنطالها الأسود الفضفاض ، تقف في بداية الدرج بعدما جعلت شخصين يغمى عليهما أو تغادرهما الحياة؟ و لا تهتم صراحة ، لم ترمش حتى أثناء فعل ذلك هل هذه هي أورورا التي يعتقد ايثان أنه يعلم جيدا من تكون ؟ هل هذه هي صغيرته الذي قام بتربيتها !؟
حينها قامت أورورا بإرجاع خصلات شعرها الأشقر طويلة إلى الخلف بكل هدوء و رزانة رفعت حدقتيها زرقاويتن بهدوء تمررهم على أرجاء المطعم، ابتسامة سوداء ارتسمت على ملامحها الفاتنة الجميلة فورما لمحت حشد الرجال الذي كان على وشك دخول المطعم، و هذا لا يعني شيء سوى أنَ عدد ضحياها سيرتفع عما كان، و ستتلخط أناملها بذلك الخليط اللزج الدافئ...
تحركت بكل هدوء دون ذرة خوف واحدة، لم تهتم للعدد الكبير من الرجال ذات أجسام ضخمة الذي تجاوز عشرة أشخاص ، هي كانت تحتاج إلى هذا بضبط ، تكسير عظام و ملئ اناملها بالدماء، هذا سيساعدها على الهدوء الذي إستنزفته من خبر زواجها...
بينما أورورا تأخذ خطواتها بكل هدوء، أحست بحركة خلفها، مع ذلك تابعت خطواتها الصامتة لكن هذه المرة ببطئ أكثر ، تنتظر أن يتقدم من يوجد خلفها أكثر، في تلك لحظة التي لم يبقى سوى خطوتين تفصلها عن من يوجد ورائها...
هي أخذت وضعية الهجوم و ارخت جسدها حيث تتولد القوة الدافعة، فهذا يزيد من سرعة و قوة الضربة، التفتت بسرعة تسدد لكمتها في منطقة بجانب الخصر، و عندما أرادت تسديد ضربة أخرى على مستوى الصدغ، حيث يوجد الصدغ على جانب الوجه بين حدود الشعر والحاجبين في مستوى العين فإذا استهدفت الصدغ بدقة فهذا ستسبب في ارتجاج المخ بعنف مقابل بطانة الجمجمة مما يؤدي للإغماء أو حتى الدخول غيبوبة طويلة...
لكن توقفت يدها في الهواء و لعنت تحت أنفاسها بجميع الشتائم الموجودة في العالم، لقد كادت أن تدخل من يعتبر زوجها المستقبلي في غيبوبة، كانت سوف تطبق عليه القتال وينغ تشون وهو من فنون القتال الشعبية الصينية وتعتمد على مجموعة من الحركات من قبل اليد والقدم تقوم من خلالها في الدفاع عن النفس والهجوم وقت القتال...
ارتونو توسع بؤبؤ عينه لثواني وهو يشعر بتلك الضربة، يقسم أنه شعر بعضامه على وشك الانكسار تحت تلك أنامل الذي قال انه لم يلمس مثلها في حياته، لم يسدد له شخص واحد هذه لكمة أو استطاع حتى لمسه أثناء القتال، كيف شعرت به و هو خلفها، و خطواته لم تكن مسموعة ابداََ بالنسبة لشخص عادي، ثم مالذي كانت تفكر فيه و هي ذاهبة اتجاه باب المطعم...
لذا تحدث ارتونو بعد كل ذلك الصمت الذي دام بينهم و نظرات التي تبادلوها بنبرة غاضبة قائلا :
"مالذي كنت تفعلينه الآن آنسة شوارز، و إلى أين انتِ ذاهبة بحق الجحيم؟"
نبرة صوته لم تعجب أورورا ابداََ، ما دخله فيها هي لم تصبح زوجته بعد ليتحدث معها بهذه نبرة، حتى لو كانت زوجته لا يمكنه تحدث معها هكذا، لكن رَغم انزعاجها لم يظهر على ملامحها الجميلة سوى الهدوء...
نبست قائلة بهدوء يماثل شخصيتها و يعادرها قائلة :
" عفوا، كنت سوف أغادر سيد اينفنيون."
صرَ ارتونو على أسنانه فهو يعتقد انها تستفزه هكذا قائلا :
"تغادرين؟ الا ترين هؤلاء الرجال الذي يدخلون من باب المطعم، هل تعتقدين أنهم سوف يسمحون لك بالمرور بكل سلاسة؟"
ارتونو لم يسمح لها بالكلام، فور انتهاءه من حديثه هو أمسك ذراع أورورا و جذبها خلفه، هو يعرف جيدا أنه اذا أصاب أورورا شيء ستتعقد الأمور، و عِوض الصلح بين العائلتين ستحدث حربا بينهم، لذا هو أخذها إلى المكان الأكثر حماية في مطعمه، الذي يتواجد في مكتب العمل الخاص به، أغلق باب المكتب و أفلت ذراع أورورا من يده ذاهبََ بإتجاه رَفِ الكتب الموجود في الجهة اليسرى...
بينما أورورا تنظر له بكل هدوء، لا بد أن جدها البرت أخبرهم عن كونها لا تشارك في أعمال المافيا تابعة لعائلتها مثلما يفعل إخوتيها و أبناء عمها، لذلك هو يتصرف هكذا، و هذا لم يكن سوى تفكير أورورا و هي تنظر إلى ارتونو الذي يفتح شيء ما موجود خلف رَفِ الكتب...
أورورا حقا لا تهتم له أو ماذا يفعل الآن، الإنسان عبارة عن مزيج من الأفكار التي بإمكانها أن تحلق به نحو السماء، وباستطاعتها أن تدفعه نحو الهاوية في الوقت ذاته، لكنها حالة خاصة، أورورا أفكارها لا تحلق بها نحو السماء و لا تدفعها للهاوية، هي مجردة من مشاعر التي تدفع الناس للتفكير...
بدأ صوت إطلاق النار يعم الارجاء المكان، و كذلك صوت تكسير الزجاج الذي لا بد أنه يخص جدران المطعم الزجاجية، و هذا يعني أن الرجال الخاصين بألكساندر بدأوا تنفيد مخططاتهم...
فتح ارتونو رَف الخاص بالكتب لتظهر من بعده غرفة أشبه بالصالة الجلوس، نظر إلى عينين أورورا يطلب منها تقدم، أخذت خطواتها بكل هدوء مع كعبها العالي الذي يطرق أرضية المكتب، وقفت أمامه ثم قالت بهدوء :
"سيد اينفنيون مالذي يحدث الآن، ألا تظن أن جدي لن يُعجب بهذا، خصوصا اذا سمع بخبر الهجوم."
مع أن أورورا قطعت كل علاقتها بجدها البرت أمسًا، كانت تعلم أنها إذا سمعها فرد من أفراد آل إينفـنيون تنده عليه بشيء غير لقب " جدي" ستعتبر تلك ضربة حظ بالنسبة لهم ، و في نفس الوقت تعلم جيدا أنه اذا سمع بزيارتها لأرتونو و الهجوم الذي تعرضوا إليه، ستحدث كارثة بمعنى الكلمة... و هذا ما لا يريد ارتونو حدوثه، سوف يجعل من كان السبب في كل هذا يندم ألف مرة على وقته الغير المناسب ابداََ...
أنزل ارتونو عينيه ينظر إلى أورورا رَغم طولها الذي يتجاوز متر و سبعين مع ارتدائها الكعب العالي كذلك، إلا أنها مازالت لم تصل طوله و رأسها لا يتجاوز صدره عريض مع بنيته ضخمة التي تخفيها تماما، حقا كان طويلا جدا،و فرق طول بينهم يُضحك و عجيب في نفس الوقت كذلك...
تحدث ارتونو قائلا هذه المرة بجدية :
"لا تقلقي آنسة شوارز أهم شيء الآن هو حمايتك ثم من بعدها سأفكر في ردة فعل جدك"
'من طلب منك حمايتي' هذا أول شيء قالته أورورا في رأسها فور انتهاء جملته، لكنها تجاوزته و أخدت خطواتها اتجاه الغرفة الموجودة خلف رف الكتب و عندما أصبحت داخلها، التفت تنظر إلى ارتونو الذي قال بهدوء :
" ابقي هنا من فضلك، سأعود قريبا "
أرتونو الذي لم يكن ليتحدث مع أي مخلوق على وجه الأرض بهذه النبرة اللطيفة و الراجية إستعملها الأن ليخاطب أورورا شوارز فقط لأن الأمور أصبحت أكثر جدية و حمايتها الأن كان فوق كل شيء..
فور انتهاء جملته هو ضغط على إحدى الأزرار الموجودة بين الكتب و انغلق من بعده الرَف كذلك..
تحولت نظراته الهادئة إلى أخرى لا تبشر بالخير ابداََ بعد ثانية من إغلاقه البوابة السرية، تحقق من مسدس أورورا أولا الذي كان في يده و لازال مملوءاََ بالرصاص ثم الخاص به كذلك...
المسدس البرازيلي Taurus 24/7 الخاص بأورورا :
المسدس الألماني Carl Walther GmbH Sportwaffen الخاص بأرتونو :
"سوف اقتلك أيها العاهر الفرنسي اذا كان لك دخل في الموضوع"
تمتت قبل مغادرة المكتب، في ذلك الوقت تحديدا وصل كل من إيثان، أنطونيو و كلاوديو ترجل إيثان أولا يحمل مسدسين في يده و فور رأيته لذلك المنظر هو انقبض قلبه خوفا على أورورا، المطعم تهمش و لم يعد مطعم و لازال يتم تبادل الرصاص بينهم و بين ارتونو الذي خرج الآن من مكتبه...
"اللعنة، اللعنة عليكم أيها الاوغاد"
هذا ماقاله بصوت عالي جدا و بدأ حتى هو بإطراق النار من مسدسيه، ثواني و تبعه كل من أنطونيو و كلاوديو...
أصبح رجال باولو كويلو محاصرين و عددهم يقل و لم يكن باولو سوى الرجل الذي كان سيعقد اجتماعََ مع ارتونو لصفقة المخدرات، التي الغاها في آخر لحظة...
أما في الجهة الأخرى داخل مكتب ارتونو تحديدا داخل غرفته السرية أو بالأحرى المنزل الموجود خلف رفِ الكتب، لم تكن مجرد غرفة سرية عادية، كان منزل يخص راحة ارتونو و طريقة إبتعاده عن كل مايزعجه، حيث تقف تلك الحسناء تكشف بزرقة اعينها الخلابة المكان بهدوء، لم تتعجب ابدا من المكان لكن الذي أثار فضولها هو درج المؤدي إلى الأسفل، رَغم فضولها عن ماذا يوجد بالأسفل هي ظلت واقفة أمام تلك الصورة الفنية، "استسلام بريدا" لدييغو فيلاسكيز تصور لوحةاستسلام مدينة بريدا الهولندية...
لطالما الفن كان شيء يجذب أورورا و خصوصا اذا كانت لوح فنية تتداخل بين الحروب و الفنون التشكيلية ، حيث كان المكان الذي تقف فيه يمكن قول عنه غرفة جلوس ذات لون أبيض ممزوجا مع لون رمادي فاتح، تتوزع لوح الفنية في جدرانه..
تنظر بهدوء لتلك الصورة، تضم يديها لصدرها و خصلات شعرها الأشقر تحاوط وجهها الملائكي، ليس وكأنها نفسها من قتلت سبعة عشر شخص قبل بضعة دقائق، من يراها سوف يرى امرأة أرستقراطية جميلة تهتم بالفن، حادّة وليس هُناك أرق منها في نفس الوقت...
إنّها ببساطة قويّة في ايحاءات النظر لدرجة أنّها توصل أفكارها بعينها أكثر مما تفعل بفمها لكن يجب عليك أن تكون على علم بقراءة العيون و مايوجد خلفها جيدا، فهي لو رأيت ما في داخلها لذُهلت، لا تدري كم خريفًا مرّ على قلبها وما زالت تُزهر، مَلامِح الوعي الفكري للنِساء على وجُوههنَّ يَمنحهن نوع آخر مِنْ الجمال، ليسَ مِن السهل زحزَحه ثِقتها بِنفسها خصوصا اذا كانت أورورا شوارز بحد ذاتها...
اذا ساءت الأمور إسترخي لأنها في جميع الحالات ستسوء أكثر، هذا هو شعار الذي تتخده أورورا دائما..
لم يعد هناك غير باولو، جميع رجاله ذهبوا ضحية ارتونو اينفنيون و الأحفاد الأكبر لعائلة شوارز، أطلق ارتونو رصاصة بالاتجاه رجله اليمنى في فخذ تحديدا، لا يود قتله الآن سيستمتع بتعذيبه و جعله يندم لإختياره للوقت الخطأ أولا ثم من بعدها سيرسله لالكساندر فوينتيه العاهر الفرنسي، ارتونو علم فور رؤيته لرجال باولو كويلو أن زعيمهم و من أرسلهم لا أحد غير الكساندر...
دلف إيثان المطعم الذي لم يعد مطعم بالاساس، يمرر حدقتيه الملونة بالازرق الفاتح في أرجاء المكان يبحث عن أورورا و عندنا لم يجدها، تقدم بخطوات سريعة اتجاه ارتونو الذي يقف بشموخ، قال بغضب تستطيعين ملاحظته من نبرة صوته عالية جدا قائلا :
"أين هي أورورا ، ارتونو اينفنيون نحن لن نتفق على هذا، صدقني اذا كان يوجد بها خدش واحد فقط ستندم كثيرا على ذلك"
وقف كل من أنطونيو و كلاوديو بجانبه ينظرون إلى ارتونو الذي ينظر لهم بهدوء ثم قال بجدية :
"آنسة شوارز موجودة حاليا في الأكثر أماكن حماية ، ثم نحن لم نتفق على شيء إيثان شوارز "
رد عليه إيثان قائلا :
" بلى إتفقنا، و لم يكن هناك أي قرار على رُأيت أورورا بدون حماية"
تحدث ارتونو قائلا :
"هل كنت سأخذ رأيك في رأيت زوجتي المستقبلية، أما بالنسبة للحماية لقد قدمتها لها و لم يصيبها أيُ مكروه وهي موجودة معي، لا تقلق إيثان شوارز "
للوهلة كان سيحدث شجارا بين ارتونو و إيثان من نظرات التي يتبادلونها، لكن أنطونيو أمسك ذراع إيثان ثم قال :
"أين أورورا الآن، أحضرها أو خدنا إليها "
أنطونيو يعرف شخصية إيثان جيدا و أنه اذا دام الحوار بينه هو و ارتونو سيحدث شجار مثل العادة و لا أحد يقدر على فكه إلا إذا استسلم أحدهم، وهذا تحديدا لن يحدث ابداََ..
رد عليه ارتونو قائلا :
"سوف آتي بها الآن، انتظروا هنا "
مع انتهاء جملته، أخذ خطواته يلتف اتجاه مكتبه، كان سيتبعه إيثان من خلفه لكن يدَ أنطونيو منعته، الذي قال فورا :
"إهدأ إيثان لقد قال أنها بخير، لا تتهور"
دخل ارتونو مكتبه الخاص، و أخذته خطواته اتجاه رفَ الكتب ثواني و فتحت تلك البوابة السرية بكل الهدوء، لا يسمع منها شيء كأنك تحرك خشة فقط و ليس باب بضخامة رف كتب كبير، مرر نظراته بأعينه الرمادية المميزة على أرجاء قاعة الجلوس، إلى أن لمح ذلك جسد المتناسق المثير الذي يقف بهدوء و يبدو أنها لم تنتبه للبوابة التي فتحت...
ظل ينظر إليها اللحظات قليلة و يمرر أعينه على سائل انحناءات جسدها الفاتن، ثم تقدم بخطوات التي لا يسمع منها شيء، بالنسبة لأورورا هي سهَت في تفاصيل تلك اللوحة الفنية و خفاياها و لم تشعر بحركة التي ورائها إلى أن وقف بجانبها ارتونو في تلك اللحظة هي انتبهت له أخيرا، لكن رَغمَ ذلك هي لم تعطي ردة فعل لذلك انما أكملت تحديقها في تلك اللوحة...
إلى أن نبس ارتونو بهدوء يتناسب مع المكان قائلا :
"آنسة شوارز... إن شقيقك ينتظرك في خارج"
حركت حدقتيها عن لوحة و نظرت له بهدوء ثم أومأت له براسها و التفت تغادر المكان بخطوات ثابتة ، لم تنبس بحرف واحد، إن الصمت لا يأتي من العدم ، تبعها ارتونو ينظر لها بإستغراب لقد آثارت فضوله و جدا، لم تكن أنثى عادية فهي أنثى من نسل الفراشات و أكثرهم جمالا و خطورة في نفس الوقت...
التفت فجأة تجعل ارتونو يتوقف في مكانه، ثم مدت يدها له، رفع ارتونو حاجبه من حركتها و تبادل معها نظرات تدل على عدم استيعابه، لكنها فاجئته بقولها مع صوتها الأنثوي و نبرتها الهادئة قائلة :
"الا تملك شيء يخصني سيد اينفنيون"
زاد من رفع حاحبه و لم يفهم مالذي ترمي إليه من حديثها هذا، لذا نبست أورورا بنفس النبرة الصوت التي لا تفارقها قائلة :
"مسدسي.. سيد اينفنيون"
لعنَ تحت أنفاسه فهو نسى تماما مسدسها الذي أخذه منها، أدار يده خلف ظهره و أخرجه ثم نظر له لثواني يتحقق منه مع انه أخذه منها لكنه الآن فقط إنتبه لجودته الممتازة، تحدث بهدوء قائلا :
"هل هذا المسدس من البرازيل؟، آنسة شوارز"
البرازيل ليست دولة سهلة و الحصول على مسدس منها بهذه الجودة يعتبر معجزة، خصوصا حاكمها مجهول الهوية، المعروف عنه فقط اسمه...
و أورورا ليست غبية لتخبره بأنها تعلم عن بلده المصدر، اذا اجابته بسؤال بدلا من جواب قائلة :
" هل هو من البرازيل؟ أنه فقط هدية..."
أومأ برأسه ثم قال :
"أجل انه المسدس البرازيلي من نوعية Taurus 24/7 الأكثر امتياز، لا بد أنه من أعطاه لك هدية مميزة عنده.."
غادرت ثغرها ضحكة خافتة انثوية، رنانة جميلة جدا تظهر عمق غمازاتها المحفورة في وجنتيها فهو يخبرها عن معلومات تحفظها عن ظهر قلب...
اما ارتونو نسى ماذا كان يفعل الآن أو ماذا يقول، هو استمع لأجمل ضحكة انثوية في حياته الآن، تضع اناملها على ثغرها و ابتسامتها لا تفارق ملامحها الفاتنة ينظر لها، لا يصدق ماتراه عيناه، تأملها، كانت أجملهم و أكثرهم فتنة من النساء الذي رآهم...
و لم يخرجه من تأملها سوى نبرة صوتها المميزة التي طغت عليها الحروف الصينية قائلة :
"أجل من اهداه لي مميز عندي كذلك"
مدَ ارتونو مسدس قائلا :
"لا بد انه كذلك"
امسكت أورورا مسدسها و ارجعته إلى مكانه حيث كان في الأول، تحدث ارتونو بالابتسامة جانبية قائلا :
"الا تودين معرفة كيف علمت مكانه آنسة شوارز"
ردت عليه قائلة بهدوء :
"لا داعي... فأنا من جعلتك تعلم بمكانه سيد اينفنيون"
على عكس مايظنه الناس، عقول البشر أكثر تشويقًا من مظهرهم، اذا كنت تملك مظهر جميل مع عقل فارق فهذا ليس مشوقا ابدا، و ارتونو يعشق شيء اسمه تشويق أو حل الالغاز، هو أصبح لديه هدف جديد و هو اكتشاف ما يبقع خلف تلك الأعين خلابة شبيهة بالمحيطات و طريقة عمل ذلك العقل الموجود أسفل تلك الخصلات الذهبية...
"حقا آنسة..."
لكن الذي فتح الباب المكتب بإنفعال قطع عليه جملته و لم يكن غير ايثان، جعل أورورا تلتف تنظر له بالاستغراب فهو ينتظر خروج أخته منذ وقت طويل حتى نفذ صبره...
تنهد براحة فور رأيته ل أورورا واقفة بخير، تقدم بخطوات سريعة و بدون سابق إنذار هو احتضنها بكل قوة لديه، يعتاد المرء على تلك الأيام التي كان يخاف من حدوثها، يعتاد بتلك الثقوب التي ملأت قلبه، يمضي وكأن الإرتطام الذي كسره لم يعد يؤلمه لكنه في داخله يعلم جيدا انه رَغم اعتياده الا انه لن يتجاوز ابدا، هو غاب لمدة ستت سنوات عن عائلته لكن عندما عاد وجد عائلته مشتتة، صدمته التي عاش بها في ذلك الحين كانت أصعب شيء مرَ عليه، شقيقه الأصغر توفي بعد أسبوع من مغادره، شقيقته صغيرة ليست موجودة بين عائلتها...
إيثان الخوف كان ينهش قلبه.. أجملنا، يحتقر ذاته.. أجرؤنا ينهزم أمام نوبات الهلع...أوسعنا حيلة، تتساقط أحلامه.. بينما يقفز بخفة من مكان لآخر، متظاهرًا بأنه حطام شخص آخر.. أكثرنا أملًا، يقول أنه حين سيجمع حطامه سيصير شخصًا آخر، أفضل.. أكثرنا يأسًا يخشى لو جمَّع نفسه ثانية، أن يصبح أحد أعدائه... هذا مانحن عليه و إيثان من بيننا كذلك...
تحدث بهمس داخل أذن أورورا الذي لم تتوقع أن يحتضنها شخص بكل هذه القوة من غير يينغ لي، معترفا بمخاوفه لها فقط، قائلا :
"كنت خائف أن يصيبك مكروها، و لا أستطيع رؤيتك من جديد"
ابتعد عنها و أكمل جملته قائلا :
"أنت بخير؟ هل اصابك شيء"
أومأت له براسها ثم قالت :
"أجل انا بخير، لا داعي لكل هذا القلق"
ابتسمت بإمتنان نهاية جملتها، تلك ابتسامة الفاتنة التي تظهر الحفرة الموجودة في وجنتيها، لا تعلم أن هناك شخص توقف عالمه فور رأيتها...
تحدث إيثان هذه المرة يوجه حديثه إلى ارتونو قائلا :
"سنتحدث في وقت آخر عن من كان سبب في حدوث هذا الهجوم، لا بد إنك تعلم من هو ارتونو اينفنيون"
أجابه ارتونو الذي كان يتأمل الواقفة أمامه، وحرك أعينه عنها ثم قال بجدية مع نبرة صوته الرجولية قائلا :
"أجل سنتحدث في وقت لاحق، أعرف جيدا من كان"
أومأ إيثان له برأسه، و قال بنبرة صوته الحنونة التي تغيرت كليا عن السابقة لأورورا :
" دعينا نذهب أورورا ،كل من في القصر قلقون عليك الآن"
تحركت أورورا بهدوء بعدما أشار لها إيثان بيده، و مع مغادرتها باب مكتب تحدث إيثان لذاك الذي يتبعها بنظراته قائلا :
"لم ينتهي الموضوع هنا، جدي لم يعجبه الخبر، سنلتقي مجددا وإسم الفاعل يجب أن يكون هناك، لا احد يتجرأ على محاولة أذية أختي و تظل أنفاسه داخل صدره "
كان يتحدث بنبرة مرعبة، و هو عَنَى كل كلمة قالها، الموضوع لم ينتهي بعد ابداََ...
بينما أورورا تأخذ خطواتها بهدوء خارج المكتب، تفاجأت بكل من أنطونيو و كلاوديو الذين وقفوا أمامها، هي اعتقدت أن إيثان الوحيد الموجود هنا لكن بنظر إلى أيديهم التي تحمل مسدسين، انه لو يكن بمفرده، تحدث كلاوديو هذه المرة أولا بقلق ظاهراََ على ملامحه الوسيمة قائلا:
"هل انت بخير أورورا، لم يصبك شيء"
نظرت اليه لثواني وردت عليه قائلة :
"أجل بخير، شكرا لسؤالك"
تحدث من بعده أنطونيو قائلا :
"حمدا على سلامتك أورورا"
اجابته قائلة :
"شكرا لك كذلك"
هما رَغم الفضول الذي يملكونه عن سبب لقائها مع ارتونو الذي علمت بأمر زواجها منه أمسًا ، لكنهم يعلمون انهم ليس لديهم الحق لسؤالها، غير البرت الذي قلب القصر رأساََ على عقب فور سماعه الخبر...
خرج إيثان من مكتب رفقة ارتونو، ثم ذهب باتجاه أورورا و كلاوديو و أنطونيو كذلك، الذي قال فور وصوله :
"دعونا نذهب الآن"
تحركوا جميعا و عندما لاحظ ذهاب أورورا باتجاه الموظفة التي تحمل حقيبتها السوداء، علم انها سوف تأخد سيارتها التي إتَت بها للعودة، لذا هو تبعها بهدوء فورما أصبح بجانبها تحدث قائلا :
"سوف تذهين معي أورورا، سيارتك سأرسل الحرس لإعادتها"
لم يترك لها مجالا للرفض، فور قول كلماته هو تخطاها ذاهباََ باتجاه سيارته، أما هي تبعته فقط بهدوء مع خطواتها الثابتة و ظهرها المستقيم، و خصلات شعرها تتموج خلفها و تتمرد لكي تحاوط ملامحها الفاتنة... كانت امراة اذا مرت من جانبك لا بد عليك من توقف اللحظات تتأملها ثم من بعد ذلك تكمل وجهتك...
غادر جميع أحفاد البرت شوارز المكان و الكل اتخد سيارته للعودة من غير إيثان الذي كان برفقة أورورا طوال الطريق صمتََ بينهم، إيثان لم يتحدث و أورورا لم تقطع ذلك الجو ابداََ...
بعد فترة ليس طويلة و لا قصيرة أخيراً اصطفت سيارات الثلاثة الخاصة بالأحفاد الاكبر في العائلة شوارز أمام باب القصر...
ترجل كل من أنطونيو و كلاويو من سيارتهم، اما في سيارة ايثان عندما أرادت أورورا الخروج من سيارة استوقفها حديث شقيقها الأكبر قائلا :
"أعلم ماذا حدث في الماضي، لكن هل يمكنك عدم تعامل مع والدتنا بهذا البرود، صدقيني هي ندمت على كل أفعالها سابقََا"
توقفت اناملها عند مقبض الباب تعطيه بظهرها، لم يرى تلك نظرة التي نَمَت على وجهها الخالية من حياة، نظرة شخص غادرته المشاعر و أصبح مجرد فراغ كبير من داخل، قررت عدم رد عليه أو نبس بِاي جواب فقط أكملت فتح الباب و ترجلت من سيارة...
الداخل القصر عائلة شوارز الذي كانت الأجواء متوثرة فيه للغاية، البرت غضبه وصل إلى الحد السماء ، و كل هذا الغضب سيوجه إلى أورورا الآن، في نظره تصرفها عديم المسؤلية، مقابلة ارتونو اينفنيون دون علمه، رفضها لأخذ الحرس معها، هذا لم يزد سوى من غضبه، لكن كل هذا الغضب ناتج عن خوفه على سلامتها من تكرارهِ نفس خطأ الماضي الذي نتج عنه فقدان أحد من أحفاده...
دلف كلاوديو و أنطونيو قاعة الجلوس التي بها صمت غير اعتيادي، الجميع من هنا يخشى غضب كبير العائلة...
الكل متواجد من غير اولييندا التي ترتاح في غرفتها و جايك الذي يختفي دائما، تحركت أعين الجميع عند دلوف أنطونيو و كلاوديو القاعة، وقف كيفن والد أورورا الذي قال بسرعة و بنبرة قلقلة رادفًا :
"أين هي أورورا و ايثان؟"
مع انتهاء كلماته دخلت أورورا بكعبها العالي ذات طرقات خفيفة،ثواني و تبعها ايثان من خلفها يدخل القاعة هو كذلك...
سبب الذي جعلها تدلف قاعة الجلوس هو لِي، تود تأكد اذا كان لازال نائما أو جالسا معهم، لكن هل فجاءها و وجدته مستيقظا؟ الوغد لازال نائما و غير واعي بما يحدث في هذا العالم ابداََ...
عندما إنتهت من تمرير حدقتيها زرقاويتن على أرجاء القاعة التفت بهدوء تود ذهاب لغرفتها، لكن استوقفها صوت البرت الذي قال في ذلك الهدوء :
"أورورا... أحتاج تفسيرا لما حدث، و سبب ذهابك لمقابلة ارتونو اينفنيون دون علمي"
التفت تنظر له بملامح لا تقرأ، بينما هو جالسا على كرسي الاريكة المنفرد، ثواني و نبست قائلة :
"لماذا هل أحتاج إلى تفسير لك و إخبارك بكل تحركاتِي سيد ألبرت شوارز؟ "
علامات صدمة ارتسمت على جميع ملامح العائلة، أول شخص يتحدث مع ألبرت هكذا، تنظر إلى عينيه التي تجعدت أثر كِبر السن، هي لن تنسى كيف تحدث معها أمس ، و حديثه عن الوعد الذي قطعته منذ ستة سنوات، كأنه يستغلها فقط، لو تكلم مباشرة و لم يذكر ذلك الوعد لقبلت قراره مهما كان، هي كانت تعزه كثيرا و تحترمه احترام فاق كل شيء، لكنه فقط اطفئ ذلك النور الخافت الذي كان موجودا يضيئها بلهب صغير جدا، و جعل العتمة تسكن داخلها و تفقد ثقتها من ناحيته ، أصبح مثل هذه الوجوه الذي تنظر لها الآن...
اجابها البرت قائلا بعد وقوفه :
"كيف تتحدثي مع جدك هكذا؟ و أجل هنا ليست الصين و حياتك الوردية التي كنت تعيشها سابقا، أنت حفيدة البرت شوارز، أيامََ و سوف ينتشر خبر عودتك و يعلم الجميع عنك، ستصبحين نقطة ضعف عائلة، و الكل سيحاول استغلال هذه النقطة لصالحه، لا تكوني عديمة مسؤولية و تموتي مثلما مات أدريان، لا تكوني إبنة الضالة و كوني الإبن المخلص الذي فارق الحياة "
لم تتغير ملامحها ابدا، لازالت هادئة، الصّمتُ يقول أحيانًا كل شيء، صعب عندما تكون مكسوراً لكن كل يوم تنكسر ،هل يقول عاشت حياة ورديةََ، ' لابأس رُبَما غَداً تَنطفيِ شَمعْتيِ وحياتي وَ أصبحُ للتَرابِ رفَيقاً و عَزِيزاً' ...هذا مارددت في نفسها، لن تلوم أحد غير نفسها ابداََ...
اجابته بهدوء عكس العاصفة التي بداخلها قائلة :
"لم أعود من نفسي، و حياتي لا دخل لك بها منذ الآن و لم يكن لك دخل اصلا، خططت بما فيه الكفاية مكاني، الفتيلة التي ضمَّتها الشمعة هي التي أحرقتها، على ما يبدو ."
مع انتهاء كلماتها هي غادرت القاعة الجلوس ولم تلتفت ابدا... رَغم صغر سنها إلا أنها عانت كثيرا و لازالت ستعاني مستقبلا...
البرت ندم على كل حرف قاله، لم يكن يود تذكيرها بالماضي، لا يعلم انها لازالت موجودة فيه و لو تغادره يوما...
فتحت باب غرفتها بقوة و لازالت كلمات جدها تتردد داخل دماغها، مررت زرقة أعينها على أرجاء غرفتها، ضحكة مختلة أطلقتها و هي تنظر إلى لِي الذي لازال متمددا على فراشها عاري صدر نائما، تقدمت بخطوات هادئة و نظرة الشر علَت ملامحها، و لم تمر الثواني و إذ كان كأس ماء مسكوبا على رأسه...
شهقت عالية أطلقها لِي ثم قال بصوت مبحوح و خاملا إثر نومه :
"أورورا، حبيبتي ألن توقفي عن عادتك، لماذا تحبين قطع راحتي"
ردت عليه قائلة :
"صدقني اذا كان ما في رأسي الآن صحيحا لن اسكب عليك كأس ماء بارد فقط، سأقتلك بيدي حينها..."
ابتسامة مريبة ابتسمها لِي و نهض من السرير يبحث عن قميصه الذي لا يذكر متى قام بنزعه، تحدث يحاول تغيير الموضوع :
" أورورا لماذا غيرت ملابسك؟"
لعن بهمس من سؤاله الغبي ، و اتجه ناحية الباب الغرفة قائلا :
"يجب عليَ الاستحمام الآن أورورا نتحدث لاحقاََ"
أغلق باب الغرفة خلفه و تنهد براحة ، فقط لو ظل لثواني قليلة لستطاع رؤية الخراب الذي مزق أميرته..
نزعت أورورا سترتها بأصابع مرتجفة، خصلات شعرها تجمعت بغير ترتيب وهي تخطو بثقل نحو الحمام. لحظات، والماء البارد يتساقط على جسدها، يغمرها بصمت لا يطفئ الضجيج في عقلها. أغلقت عينيها، تحاول أن تجد ولو للحظة هدوءًا داخليًا، هدوءًا يوقف سيل الأفكار الذي لا يرحم.
.
.
.
الساعة تاسعة مساءََ
21:00 pm
تحديدا في الحديقة الخلفية لقصر عائلة شوارز.
كان يينغ لِي يجلس ممسكًا هاتفه، لكنه بالكاد كان ينظر إليه. أمضى أكثر من ساعتين بجانب أورورا، يحاول فك شيفرة صمتها المريب وتصرفاتها الغريبة. هو يعرفها جيدًا، يعرف أن هناك ما يعكر صفوها، لكن كبرياءها المعتاد يمنعها من البوح.
لم تستطع أورورا أن تنظر في عينيه، تتجاهله كليًا وكأن وجوده أصبح عبئًا إضافيًا عليها. ليست هذه عادتها، ولم تكن يومًا ممن يهربون من مواجهته.
أثناء ذلك شعر يينغ لِي بثقل الجو بينهما، وقرر أن يترك لها المساحة التي تحتاجها. فبعض الحروب يجب أن تُخاض وحدها، لكنه سيظل قريبًا بما يكفي إذا احتاجت إلى من يسندها..لذا هو كان جالسا في الحديقة الخلفية لقصر آل شـوارز..
سمع وقع خطوات تقترب منه لذلك هو رفع رأسه ينظر في أرجاء الحديقة إلى أن لمح ذاك جسد الانثوي متناسق يقترب منه، ترتدي فستان أبيض يصل لمنتصف فخذيها، ذات حمالات رقيقة، شعرها يصل لنصف ظهرها بلون أشقر مائل للابيض منسدلا ذات غرة قصيرة، مع أعين زرقاء تشبه أعين السماوية لإيثان... و لم تكن هذه الجميلة سوى إلينا التي كانت تتقدم بخطوت خجولة أثر ما سمعته من حديث دار بين شقيقتها الكبرى و جدها و من يينغ لي الذي كان يتجاهلها منذ أن علم انها من دعت إيثان الذي أفسَد عليه الليلة العمر كما كان يتوقع..
جلست بجانب يينغ لي على الكرسي الخشبي ملون بلون بني الفاتح، أبعد يينغ لِي عينيه الحادة عنها متجاهلا إياها و لم ينبس بالنبة الشفة ، مرة ثواني من صمت إلى أن قالت إلينا بتوتر قائلة :
"لم يزعجك جلوسي هنا صحيح"
عاد يينغ لِي لتففد هاتفه، رد عليها بسخرية :
"لقد جلستِ لماذا تسأليني الآن؟"
ابتلعت إلينا ريقها بإحراج، اومأت بـرأسها و قالت بصوت خافت ظنا منها انه لم يسمعها :
"يتحدث كأنني أجلس في حضنه ثم هذا قصر عائلتي و ليس له أجلس أينما أريد "
ابتسم يينغ لِي بجانبية مكملا تصفح هاتفه.. مرت ما يقارب خمس دقائق في صمت بينهما، يينغ لي مشغول بهاتفه لكن تفكيره لا يغادره تصرفات أورورا التي أزعجته و حيرته في الوقت ذاته..
إلينا لازالت تحاول فتح موضوع معه لكن تتراجع في كل دقيقة، فهي رأته و هو يذهب تجاه الحديقة الخلفية و ظلت تراقبه و عندما جلست قربه هو ببساطة تجاهلها، للأسف توقيتها ليس مناسب ابدا، فلو لم يكن تفكيره مشغولا بأورورا لما فوت لِي فرصة جلوس فتاة بجانبه خصوصا اذا كانت جميلة ...
" لا تنظري لي هكذا "
فاجئها صوت لِي من عدم، لم تنتبه أنها كانت تنظر له بينما تفكيرها في عالم آخر...
ابتسامة شقت و جهها ثم قالت :
"كيف أنظر لكَ؟"
توسع بؤبؤها الأزرق عندما أبعد لِي حدقتاه عن الهاتف ونظر لها بعينيه الضيقة الحالكة السواد، شعره الأسود الحريري يغطي جبهته برشاقة. أعدمت إلينا المسافة بينهما ثم تتردد للحظة قبل أن تفتح شفتيها لتقول بصوت مليء بالتوتر :
" يينغ لِي، أحتاج مساعدتك. "
رفع حاجبيه قليلًا، مائلًا رأسه ليشجعها على الاستمرار دون أن ينطق بكلمة. تنفست إلينا بعمق، ثم أردفت:
" الأمر يتعلق بأورورا... أعلم أنك الأقرب إليها وتفهمها أكثر من أي شخص آخر. "
لم يبدُ يينغ لي أي تعبير واضح على وجهه، لكنه لم يقاطعها، مما دفعها لتكمل:
" هي غاضبة مني الآن.. أخفيت أمر عنها، كيف يمكنني إصلاح الأمر؟
تأملها لِي للحظة، عيناه تحلل كلماتهما وكأنهما تبحثان عن شيء أعمق. وأخيرًا تحدث بصوته الهادئ والرزين لا يظهر كثيرا و نادرا جدا :
" أورورا ليست شخصًا يثق بسهولة، إلينا. عندما تخونين ثقتها، حتى لو لم يكن الأمر مقصودًا، تحتاج إلى أكثر من مجرد كلمات لإصلاح ما انكسر."
" إذًا، ماذا أفعل؟"
أدار لِي وجهه قليلًا، محدقًا في الأزهار وكأنه يفكر بعمق، قبل أن يعود بنظره إليها ويقول:
" أظهري لها أنك تفهمين ألمها. لا تحاولي تبرير أفعالك، فقط كوني صادقة ومباشرة. وأهم شيء... لا تتوقعي منها أن تسامحك على الفور. الثقة تُبنى ببطء، إلينا. "
توقفت إلينا لتفكر في كلماته، ثم أومأت بامتنان:
" شكرًا، لِي. كنت بحاجة لسماع هذا."
ابتسم ابتسامة خفيفة، بالكاد تظهر، وقال بنبرة هادئة، يتذكر مزاجها كيف تركه عندما غادرها :
" إنها أورورا، ستحتاج إلى وقت. لكن إذا كنتِ صادقة، ستجدين طريقًا إليها."
أجل إنها أورورا بعد كل شيء، بالنسبة ليينغ لي، ليست مجرد صديقة مقربة؛ إنها الروح الشقيقة التي لم تمنحها له الحياة. في أعماقه، يشعر أنه مسؤول عنها، ليس لأنها ضعيفة أو تحتاج إليه، بل لأن طبيعتها المعقدة وأسرارها الثقيلة تجعله يدرك أن قلة فقط يمكنهم فهمها.
ينظر إليها بعينين مليئتين بالاحترام والإعجاب، حتى عندما تتصرف بطريقة تثير حيرته. يعلم أن وراء تلك المواقف الصعبة قلبًا لم يعرف يومًا الراحة، وشخصًا يعيش في ظل قوة تضطرها أحيانًا لإخفاء ألمها. يينغ لي لا يستطيع أن يغضب منها، لأن كل جزء من شخصيتها يذكره بأنها تحمل العالم على أكتافها دون أن تطلب المساعدة.
لو كان الأمر بيده، لجعلها تعيش حياة بلا خوف، بلا ندم، وبلا دموع. الابتسامة التي تضيء وجهها هي هدفه الأول والأخير، وهو مستعد أن يخسر أي شيء ليحميها. بالنسبة له، أورورا ليست مجرد شخص يمر في حياته؛ هي جزء من كيانه، القوة التي تلهمه، والحبل الرفيع الذي يربطه بمعنى الأسرة الحقيقية..
نظر إلى إلينا التي كانت أعينها على المساحة الخضراء أمامها، و سأل بكلمات ثقيلة قد رتبها في رأسه كي لا تخرج مبعثة :
" لم تخبريني ماذا فعلتي ؟ أورورا لا تغضب بسهولة من شخص ما، خصوصا أنتِ آنجل !"
أعادت إلينا نظراتها إليه و قالت بينما تخلل أناملها في خصلات شعرها ترجعها إلى الخلف :
" بشأن زواجها.. لكن صدقيني كان ذلك طلب من جدي و قد حذر الجميـ.."
إن عبارة صعقه البرق تبدو لطيفة جدا لعبير عما إرتسم على وجه يينغ لي يقاطع حديثها و كأن سمعه أصابه خللا ما :
" زواجها؟...... عن أي زواج تتحدثين؟ "
تراجعت إلينا للخلف، تدرك أنها أفشت سرًا لم يكن ينبغي لها الإفصاح عنه. فتحت فمها لتتحدث، لكنها لم تجد الكلمات المناسبة.
" لم تكن تعلم؟ "
" بالطبع لم أكن أعلم! أورورا متزوجة؟ متى حدث هذا؟ ومن...؟ "
تطايرت الكلمات من يينغ لِي بانفعال نادر، وهو يقف أمامها يبحث في وجهها عن إجابة. شعرت إلينا بالندم يعصف بها، لكنها حاولت استجماع شجاعتها لتكمل :
" أعتقدت أنك تعرف... أنت الأقرب لها... أنا آسفة، لِي. "
نظر إليها لِي يستوعب ماذا تقوله، عن أي زواج تتحدث بحق الجحيم؟ أورورا و زواج كذلك في جملة واحدة لا يمكن تصديق ما تقول !.. تحدث لِي بسخرية قائلا :
"أورورا و زواج لا بد إنك تمزحي صحيح ؟!"
اجابته إلينا لا تعلم عن القنبلة التي القتها قائلة :
" أجل زفاف أورورا سيتم هذا الأسبوع، هذا هو سبب عودتها من الصين، لأنها الحفيدة الأكبر"
.
.
.
شركة عائلة آل اينفنيون.
داخل مكتب فخم في الطابق الأخير، كان أرتونو مسترخيًا على كرسيه الفاخر، يمسك بكأس النبيذ بين أصابعه الموشومة التي تحمل قصصًا من الدماء والجرائم . كان يراقب أضواء مدينة برلين التي تلمع في الظلام، لكن ذهنه كان بعيدًا، في مكان آخر. مع كل رشفة من الكأس، كانت الأفكار تتراكم في رأسه، تتشاجر، وتشتعل..
رنين الهاتف قطع صمته. نظر إلى الشاشة وابتسم ابتسامة مشبوهة وهو يرى الرقم الخاص. كان يعرف تمامًا من على الطرف الآخر. فتح الخط بهدوء، ووضع الهاتف على أذنه، وقال بنبرة هادئة لكن مليئة بالسخرية :
"هل أعجبتك الهدية التي أرسلتها لك؟"
رد الطرف الآخر بسرعة، صوته مشبع بالكراهية :
"كنت أعلم أن باولو مجرد عاهر يستحق الموت، لكنني استمتعت أكثر بإفساد موعدك مع زوجتك المستقبلية."
أرتونو امتص نخب الكلمات بكل هدوء، لكن الشرر الذي يشتعل في عينيه كان لا يمكن إنكاره. رد بنبرة خفيفة، كأن كل شيء تحت سيطرته:
"من أخبرك أنني فقدت موعدي؟ بالعكس، بفضلك أصبح أكثر متعة."
الطرف الآخر ضحك بسخرية، وأضاف بنبرة خبيثة:
"لطالما أخذت أشياءك، يا أرتونو. لكنها لم تكن تثير إعجابي. لكن الآن... هناك شيء أثار اهتمامي بشكل كبير."
توقف. ثم تابع حديثه :
" هل ما سمعته صحيح؟ آتتني أخبار تقول أن صوتها يشبه مداعبة ! قبل المعاشرة.. "
ضغط أرتونو على كأس النبيذ بين يديه وكأنها رقبة الكساندر، والدماء تغلي في عروقه. لكن صوته كان قاتلًا في هدوئه :
"أيها العاهر الفرنسي، صدقني، ستندم على إرسال ضباعك لي. نهايتك ستكون على يدي."
ضحكة الكساندر اخترقت أذنه، ضحكة ملوثة بالكراهية، قبل أن يرد بنبرة شديدة السواد :
"لعبتك الجديدة تعجبني جدا ارتونو ! أورورا شوارز ستصبح من ممتلكاتي يا ارتونو اينفنيون، سأخذها مثلما أخذت غيرها "
بهدوء قاتل ضغط أرتونو الكأس بقبضة يده حتى تحطمت.. تحدث بهمس لنفسه أكثر مما هو موجه لألكساندر ، لكن الكلمات كانت تحمل عاصفة باردة قريبا ستحل على باريس :
"إذا كنت تظن أنني سأسلم أورورا لك، فأنت مخطئ. ستحترق قبل أن تلمسها. "
يتبع...
🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬
🎀🦋مرحبا أعزائي الفيندرز 🎀🦋
ادعموني بكومنت 💌
فوت يشجعني حتى أستمر ⭐
شكرا لأي أحد ترك تعليق اللطيف مثلوا لأني عنجد تفرحني كثير تعليقاتكم 😔💗
~~~~~~~
رأيكم؟!
أورورا؟
ارتونو ؟
الكساندر سايكو ؟
ايثان؟
يينغ لِي؟
إلينا؟
ألبرت؟
"نلتقي في الفصل القادم ان شاء الله، دمتم سالمين 🎀🦋"
مع أنني لا نحتفل بالرأس السنة.. لكن :
أن شاء الله تدخل علينا 25 بالراحة والسعادة و النجاح حبايبي الفيندرز 😭🎀.
تابعوني إنستا رجاءََ نوصل 10k 😭🎀
~~~~~~~~
❤️I LOVE YOU ❤️