شؤم الثامنة عشر.

By hanakohanaro

75.8K 5.7K 3.8K

لقيط عائلة إيڤالوس.. أو هذا ما يكررونه. ابن عائلة إيڤالوس مجهول الأم الذي حتم عليه التبرؤ بعد سن الثامنة عشر... More

1
2
3
4
5
6
7 | الابن الثالث.
8
9
10
11
12
13
14
15| مَاضِي الوَرِيث.
16
17
18
19
20| أكسروا قلبك الهش؟
21
22
23
24
25| نهاية جحيم آل إيڤالوس.
26
27
28
29| لقاء سلڤيا.
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
41
42
تعريف
43
44|جانح في لعبة السذاجة
45
46
47
48
49
50
51|رمان مخملي.
52|حب بالرصاص.
53سقوط.
54لقاء¹
54لقاء²
55فتيل

40

653 56 51
By hanakohanaro

صلِّ على النبي.
سبحان الله بحمده سبحان الله العظيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


عيني ظلتا متصلتين بالعلامة على صدره، وجودها استفزني بجميع المقاييس، كان يخدعني، يتحايل علي.

كنت أعيش مع شخص لطالما بحث عنه!

وقفت ونظرت له ببرود وهو يغلق ملابسه، فنظر لي باستغراب من نظرتي الباردة تجاهه، أنا جاد، لماذا يخفي عني أمرًا كهذا؟

ضممت يدي لصدري ورفعت حاجبي ببرود أريد تفسيرًا لسلوكه هذا، منذ مدة شككت أنه خالي ميشيل.

«اجلس».

«لا أريد».

«بارسي، أنا لست ميشيل، أنا تيموس فقط، لن أكذب عليك، ميشيل يكون أخي البيولوجي، عندما مات والداي كنت رضيعا بعمر أشهر وميشيل بعمر العامين، فتبناني السيد كاستيليني وغادرت الميتم، بعدها بعامين تبنى السيد فوستاريكي أخي ميشيل».

جلست بجانبه على السرير وقررت الاستماع إليه، فهو يتكلم وكأن الأمر ما زال يؤلمه، بالطبع هو سيؤلمه.

«لم أكن أعي أن لي أخًا اسمه ميشيل أصلًا، لكن هو من عرّفني على نفسه، لكن عشنا منفصلين، فأبي انتقل لروسيا وميشيل بقى في أستراليا».

«ولما تضع وشم آل فوستاريكي؟».

«إنه ليس الوشم بل علامة يسهل نزعها، استخدمته مرة قبل سنوات لتخاطب مع رجال فوستاريكي كما طلب مني ميشيل».

نظرت لوجهه أتفقد إن كان هناك أي شيء يدل على كذبه، لكني لم أجد، صوته جاد ولا تشوبه شائبة، ونظرته ثابتة.

«إذًا أنت أخ خالي؟».

«نعم، وأنا افتقد ميشيل كثيرًا، ميشيل مستهدف وباڤاريا تبحث عنه في كل مكان، لكنني ما زلت سعيدًا أنه استطاع العيش بعد عقدين من التهجير».

وقف ونظر لي بابتسامة بسيطة، وضحك بخفة على ما سمعه مني.

«تصبح على خير فتانا الظريف».

«تصبح على خير».

غادر الغرفة بعد إجابتي وأغلق الباب خلفه، حسنًا، هو لم يكن خالي كما ظننت، بل كان أخوه الصغير، مهما يكن أتمنى السعادة لكلاهما.

ـــــــــــــــــــــــــ

مساء اليوم التالي.

«أنتما غريبا أطوار».

نظرت لأليكس الذي يتكأ على إيطار الباب وينظر لنا بحاجب مرفوع، بخخت قليلًا من العطر على قميصي الأبيض.

أخد آندي العطر مني، وبخ على قميصه البني، ثم أعاده لسطح الطاولة، وسحب خاتمه الفضي ولبسه.

أمسك بمعصمي فجأة ونزع ساعتي البنية وارتداها، ثم مد لي ساعته الفضية، وتحدث تزامنًا مع فعلته.

«هذه ستناسبك أكثر».

«شكرًا لك آندي».

اتجهت لسرير ولبست جاكة بدلتي الرسمية السوداء، ورفعت البروش الذهبي الذي أهداه لي تايلور في يوم ميلادي HYB، وهكذا أنهيت ملابسي.

أنا متحمس لحفل زفاف من ظننته كتلة ثلجية!

...

«مبارك لكما هذا الجمع اللطيف، تايلور، ميليسا».

نظر لي تايلور وحاجبه مرفوع، حركاته السخيفة لا يستطيع أن يتوقف عنها حتى في أعمق لحظات سعادته.

«أرى… أنت تبارك لي».

أدرت عيني ببرود ووضعتها على ميليسا الجالسة على المقعد الزوجي بجانب هذا الأبله، فظهرت ابتسامة لطيفة على محياي لأحييها بها.

«مبارك زواجك ميليسا، أتمنى لك السعادة».

«شكرًا لك بارسي الصغير، أنت وسيم جدًا».

«شكرًا لك».

حمحم تايلور بخفة ليجذب انتباهنا، فنظرت له فأشار لي بعينيه لدرج تحت المنصة العالية بدرجتين، فاستدرت لأرى عمي تيموس يقف عند الدرج.

ذهبت له هرولة وسأله بفضول:
«أتريدني؟».

«نعم، أريدك قليلًا، لكن قبل هذا عرفني على صديقك».

أمسكت بيده وصعدنا الدرجات معا، وقفنا تمامًا أمام تايلور، وابتسمت بلطف لأبدأ الحديث.

«تاي، هذا عمي الغالي تيموس، إنه زوج عمتي سلڤيا وأحد أسباب سعادتي في الحياة، عمي، هذا أخي ورفيقي تايلور، مع أنه متغطرس لكنه طيب».

وقف تايلور في مكانه ومد يده بابتسامة شبه رسمية تجاه عمي، مستعدًا لإتمام التحية، بينما كانت نظراته تكشف عن نوع من الفضول غير الظاهر.

«تشرفت بمقابلتك سيد تيموس».

«لي الشرف أكثر تايلور».

...

وقفت أمام جدي برفقة عمي تيموس، وكما توقعت، العم تيموس يريد مني إصلاح علاقاتي العائلية المتدمرة.

حركت بصري من وجه جدي ثم نظرت لعمي، فابتسم لي بعطف، وتحدث وهو يغادر:
«خد وقتك».

أعدت نظري لجدي، فنبس بحنية غريبة لم أعهدها منه:
«أريد التحدث معك، هل تقبل؟».

«نعم».

«قبل أن أبدأ كلامي أود أن أقدم لك اعتذاري على كل شيء، قد أكون قسوت عليك لكنني لم أقصد، أنا شخص لا أحب الظلم ومتأكد من أنني لم أظلمك».

«نعم، أنت لم تظلمني لكنك جرحتني، أنا مجروح من آل إيڤالوس ككل، باستثناء المعروفين».

أنزلت بصري وتأملت العشب من تحتي، أشعر بالمرارة تنخص قلبي، أين آندي الآن؟؟

«منذ مدة أحاول ألا أكون قاسي مع أحفادي، أو بالأصح بارد وليس قاسي، لذا رجاء وأنا الآن أترجاك يا بارسيفال، سامحني».

جلست بجانب جدي بعد أن استطاع هزي بكلامه، إن قلبي ينبض بسرعة كبيرة، أخدت نفسًا عميقًا ونظرت له انتظر حديثه.

نظر لي وابتسم بعطف، مع أن بسمته في رأي عقلي ما هي إلا تصنع وكذب، وهذه الفكرة مناقضة لقلبي.

«أريد سؤالك يا صغير، كيف حالك … بعيدًا عنا؟».

«بخير، أنتم أذيتموني كثيرًا لذا لم أفتقدكم كثيرًا».

«لكننا افتقدناك، أنا شخصيًا افتقدت ضحكتك».

أخدت نفسًا عميقًا، وأدرت وجهي ناحيته، رمقت عينيه بهدوء، وفرقت شفتا عن بعضهما، ونطقت بهدوء:

«كيف تريد مني أن افتقدكم وأنتم من دمرتموني، ضربتموني، أهنتموني وكسرتم خاطري، قد أسامحكم لكن ليس الآن».

«أنت موجوع منا، أليس كذلك؟».

«من الطبيعي أن أتوجع من شخص لطالما أهانني، وجرحني، ولم يتردد في ضربي، كنت وحيدًا في ذاك الوقت ولولا عمي أنطونيو لانتحرت، الضغط العائلي والألم النفسي الذي عشته معكم تحررت منه الآن».

تنهد فيليكس بضيق، وحاول إيجاد أي كلمة يقولها لكنه عجز، فقد قدرته على التكلم والنطق.

«بالرغم من ذلك، أنا لا استطيع أن أحمل حقدًا أو غلًا على أحد كان عائلتي في أحد الأيام، لذا لا تقلق، سأسامحكم مع الوقت، فهذه هي طبيعتي الفيسيولوجية».

تقدم هاري ناحيتنا، ووقف أمامي تمامًا، ثم ركع على ركبته ليوازيني، وساوى طوله بطولي، نظر لعيني مباشرة ومن الواضح أنه يريد قول شيء لم ينسجه في عقله بعد.

وضع يديه على فخديّ وهذا وترني قليلًا، ففخدي منطقة محرمة لا أحب أن يتم مسها البتة.

«أعرف أنك لا تستطيع تصديقي لكنني آسف، آسف على كل شيء حصل تلك الليلة وقبل الليلة، أنا لم استوعب ما حدث يومها، كنت غاضبًا وموهومًا».

أغمضت عيني، وقلت ما في نفسي بلا تردد، لقد تعبت بسببهم.

«أنت لم تعطني حتى فرصة للحديث يومها، ضربتني وشتمتني دون أن تسمع من الأطراف الفعلية».

وضع كفه على خدي يلامسه بعطف، وقلبي بدأ يتصارح مع عقلي لحظتها، عقلي يرفض الصفح وقلبي يريده بجنون، ويفتح لي تراجيدية تعرض لي ذكريات من حياتي.

بالنظر لشخص تتحكم فيه عاطفته لا عقله فسأسامح عمي هاري بعد قليل!

«يومها أخطأت وخطأً جسيمًا قد لا تغفره لي، لكن صدقًا لم أكن بوعيي، عندما ظننتك تحرشت بروزالي فقدت عقلي، ولم أفكر في ما الذي سيجعل بارسيفال يضايق روزالي أساسًا».

«بارسيفال لم يضايق روزالي، ربما كنت في تلك الفترة أحب روزالي، ليس عاطفيًا بل أخويًا، لكن يستحيل أن أضايقها».

«أعرف، عندما فكرت في الأمر لم أجد له مبرر، صحيح أنك كنت مشاكس لكن مع الفتيان».

أحاط رأسي بكفيه، وتجدث بندم واضح:
«اعتذر على كل حرف قلته لك يومها، كنت هائجًا ولم أضبط تصرفاتي».

وهكذا أُعلن أن عقلي خسر أمام قلبي، وأصبح قلبي هو المسيطر الآن، إن عاطفتي هي المتحكمة فيما لا يريده عقلي.

«أتعرف ما بجعلني أسامحك، أنك كنت مخدوع، أنك كنت خائفًا على روزالي، ربما لا أفهمك لأنك أبوها لكن لو صادف وحدث هذا الأمر أمامي ما كنت سأرحم من آذاها أبدًا».

«إذًا ستسامحني؟».

«يمكن، لكن ليس الآن، يوم ولادة عمتي سأرد عليكم، إلى ذاك الوقت دعوني أفكر، سأرى أبي الآن، أراك لاحقًا عمي».

...

انتهى الأمر بطريقة لم أتوقعها البتة، مع أنني في العادة أسمح لعاطفتي بالسيطرة علي، لكن الآن عقلي سحق قلبي في آخر ثانية، فخرجت مني الكلمات هادئة.

الآن، أين هو؟ أين أبي؟

بحث بعيني في كل مكان، وبجدية لم أجده، أين سيكون؟ أيعقل أنه غادر؟

وهناك! ها هو، يجلس وحيدًا ويحدق في هاتفه بشرود، في زاوية خالية من الحديقة، يلبس ملابسًا شبابية عصرية.

حسنًا كيف أقنع نفسي وأقنع من حولي أن هذا الرجل أبي، إنه شاب في منتصف الثلاثين، له طفل مراهق، هذه نتائج الزواج المبكر، أنت تشيخ وابنك يشيخ.

اقتربت منه بخفة، ووقفت خلفه تمامًا، قبل أن أكلمه رأيت سطح هاتفه الذي يظهر الآلة الخاسبة وهو يضرب أرقامًا فلكية في بعضهما.

من الواضح أنه متوتر لهذا يستخدم الآلة الحاسبة.

«أبي».

أغلق الهاتف سريعًا، والتفت لي بهدوء كأنه لم يفزع، أكان يعرف بوقوفي خلفه؟!

«أرى أنك هنا».

«لقد بحث عنك كثيرًا».

«حقًا، ظننتك ملتصقًا في تايلور».

«لا، تركت له بعض الخصوصية».

التفت ووقفت أمامه مباشرة، وهذا جميل، لي أب وسيم، أتساءل من أين جلبت هذا الجمال الفتان.

«تبدو مشغولًا، ماذا تفعل هنا وحدك؟».

رمش عدة رمشات وما زال يفسر كلامي، للمعلومية إن تصرفاته غريبة جدا كأنه طفل، وهذا لطيف جدًا.

«لست مشغولًا، لقد كنت شارد، كيف تسير دراستك و… حياتك؟».

«إنها بخير، لا تقلق علي بتاتًا، حياتي هادئة ودراستي جيدة».

«جيد، هذا يشعرني بالسعادة».

ابتسم بلطف، فاستغليت الفرصة وطلبت منه ما أريد.

«هل نأخد صورة؟».

«صورة؟».

أومأت له برأسي بسعادة، متمنيًا أن يوافق، فابتسم بلطف، وتأملني بعطف.

«كما تريد».

فتحت هاتفي، ودخلت على الكاميرا حتى ألتقط الصورة.

- ما رأيك أن أصوركما أنا؟

نظرت لمصدر للصوت لأجد عمتي بيرتي تقف فيه، وترمقنا بحنان غريب، هو ليس غريب لكن معرفتي عن هذه المرأة أنها متبجحة، حتى عندما تساعدني سابقًا تظل متبجحة.

ابتسمت لها وذهبت إليها أعطيتها الهاتف، وعدت لمكاني سريعًا، وقفت بجانبه وإتكأت على كرسيه قليلًا.

ليشهد التاريخ أن هذه أول صورة تجمعني بأبي لوحدنا، في 31 ديسمبر 2016، ليلة رأس السنة.

أنزلت عمتي الهاتف دلالة على التقاطها لصورة، فذهبت لها مهرولًا؛ كي أرى الصورة، وقفت أمامها انتظر أن تمد الهاتف لي، لكنها ظلت تنظر إليه.

ما الذي رأته في هاتفي يا ترى؟ أيعقل أن أندرياس افتعل كارثة في هاتفي؟

«بارسي، لم أعتقد أنك ستبلغ بسرعة».

سحبت الهاتف من يدها بسرعة، وأطفأته، عرفت ما الذي رأته من نظرتها الماكرة، هذه المرأة خبيثة بحق.

أعدت الهاتف لجيبي، فوقفت القرفصاء أمامي ونظرت لي بابتسامة سمجة لا أحبها، يا إلهي سأخسر أمام استفزازها، أنا لست ندها.

«إذًا، بارسي بارسي».

رفعت يديها وقرصت خداي بقوة، وازدادت ابتسامتها الماكرة إتساعًا.

«هل كبرت لدرجة أن هاتفك بات يحتوي على صور البنات أم أنها مجرد نزوة؟».

«أنا لا أعرف عما تتحدثين».

«حسنًا لا يهم، لقد اشتقت إليك كثيرًا، كيف هي حياتك مع سلڤيا؟ ألا تزال حساسة؟».

وضعت يدي على يديها، وسحبتها بخفة فنزعت يديها عن خدي وابتسمت بمرح، حرفيًا هي مستفزة.

«لا تجعلي خدي تحمران فآندي سيظنني قبلت فتاة، إن تفكيره سيئ جدًا».

«حسنًا، على أي حال لقد إزددت طولًا، وهذا جيد».

اقتربت مني وهمست في أذني بشيء صدمني، قشعريرة سرت في جسدي لحظتها، هذه المرأة مجنونة حرفيًا.

نظرت لي بابتسامة لطيفة، واسترسلت حديثها متجاهلة صدمتي:
«أعدك بهذا، فأنا أحببتها».

مـ … ما الذي تهذي به هذه المرأة؟! أتريد تجنيني أم إدخالي في حالة نفسية مبكرًا؟!

وقفت وودعتني وغادرت، وما زال فمي مفتوحًا مما قالته لي، على الأقل هي عمتي بيرتي التي لا تنشر خبرًا إلا بعد إتمامه.

من الجيد أن إتمام خبرها سيتطلب سنوات كثيرة جدًا، ربما في ذاك الوقت قد أكون غيرت رأيي، ربما.

نظرت خلفي فرأيت صديق أبي يتحدث معه، الرجل المسمى أنجلو أو أركلو لا أذكر.

تقدمت لهما، وابتسمت بلطف مرحبًا به بمجاملة فأنا لا أذكر اسمه، مع أنه اخبرني باسمه عندما كان أبي مريضًا لكنني لا أذكر، ذاكرتي أصبحت كذاكرة السلحفاء.

أحنى جذعه قليلًا ناحيتي وابتسم بلطف.

«أريد استعارة والدك يا فتى».

«لا مشكلة، أراكما لاحقًا».

ذهبت جريًا أبحث عن أندرياس، كيف نسيت أمر هذا المهووس المريض؟ أتمنى ألا يكون افتعل كارثة أو ارتبط بست بنات.

- بارسيـ … فال.

توقفت عندما سمعت اسمي بصوت أنثوي ناعم، هذا الصوت، هذه النبرة، تخص فتاة أعرفها، نعم نعم، هي نفسها.

رينيرا تشاربن!

زفرت باسترخاء والتفت ببطء للخلف حيث صدر الصوت، وكما توقعت إنها رينيرا، وهي...

وهي مختلفة!

أغمضت عيني حتى أتفادى هذا الإغراء، جديًا آندي بدأ يسبب خللًا في نظام آدابي وأخلاقي، ذاك الوغد أفسدني بفساده.

زفرت بهدوء وقررت التحدث معها، أنا لست أندرياس حتى أفقد عقلي لرؤية فتاة جميلة، أنا بارسيفال الفتى الجيد الذي رباه أنطونيو الخلوق.

فتحت عيني ونظرت لها بهدوء، تبدو هادئة جدًا، الجدير بالذكر أنها تلبس فستانًا محترمًا وهذا لم أتوقعه منها.

الفاسقة الإسبانية أصبحت طاهرة!
هذا مثير للاهتمام لو كنت اهتم بالفتيات.

تقدمت ناحيتها إلى أن وقفت في مسافة بعيدة مناسبة، وبادلتها الابتسامة الودودة.

«مرحبًا بارسيفال، لم أرك منذ زمن».

«نعم، كيف حالك يا رينيرا؟».

«أنا بخير، سمعت أنك انتقلت لياكوتسك، كيف هو الجو هناك؟».

«بارد بدونك».

وضعت يدي على فمي بصدمة مما قلته، لا! لا أصدق الذي نطقت به!

«لا، أنا لا أقصد شيء، أقصد أن … لم يكن مقصدي سوء … أنا … أنا …».

ارتفع ارتباكه، واحمرت خداه من الخجل، فهذا الموقف إحدى نتائج مخالطة أندرياس لفترة طويلة.

«اهدأ! أعرف أنك لا تقصد ما قلته!».

أمسكت بيده لتهدئه، لكن لمستها كانت السبب الفعلي لاحمرار وجهه كاملًا، سحب يده بقوة وغادر سريعًا.

«بصدق أنا لم أفهمه خطأ».

...

إتكأ على جذع شجرة في حديقة القصر بعيدًا عن ضوضاء الحفل، صدره يرتفع ويهبط بسرعة، وأنفاسه غير منتظمة من الحرج.

ما الذي قلته لرينيرا؟ أسيطر أندرياس على عقلي؟ كيف قلت لها هذا الكلام الرخيص الذي يقوله أندرياس للفتيات دومًا؟

نعم، هذا وارد فأنا لا أتحدث مع الفتيات غالبًا، ولهذا عندما تحدثت مع رينيرا قلت ما يقوله أندرياس من سخافات.

أنزلت جسدي للأرض وظهري محتك بجذع الشجرة إلى أن جلست.

ما الذي فعلته بعمري الآن؟ رينيرا الهوجاء ستظنني واقعًا في حبها وأنا لا أحبها، لا أطيقها، ذكرياتي شنيعة معها.

وضعت يدي على رأسي أحاول إيجاد حل لما نطقت به، هذا الأندرياس الحقير جعلني مهووسًا مثله، ولو خالطته أكثر من هذا سأصبح شهوانيًا وهذه كارثة، جهود عمي أنطونيو كلها ستذهب هباء منثورًا.

لو خالطته لأكثر من هذا فالأخلاق ستلوح لي بمنديل أبيض وهي تغادر.

«آآه، تبًا له، سيصيبني بالجنون».

- من هو؟

التفت ونظرت خلفي لمصدر الصوت، وهذا مفاجئ قليلًا، إنه ليدير، زميلي اللطيف الذي حصل على شرف أن أحفظ اسمه.

يحمل في يده كأس عصير أصفر كريمي، جلس أمامي تمامًا، ومد كوب العصير لي.

«إنه عصير موز، سيهدئك، لقد طلبته لك عندما رأيتك تهرب من رينيني، لما وجهك أحمر؟ أعترفت لك مجددًا؟».

«لا».

أخدت كوب العصير منه، وبدأت أشربه حتى أخفف الضغط الذي أشعر به.

«مع أنها لا تحبك لكنها تربكك، إن رينيرا هادئة منذ رفضت مشاعرها، أحدث شيء بينكما؟».

«لا، أنا فقط أخطأت وقلت لها جملة غزلية رخيصة بلا قصد، أنا قلق من أن تكون تظنني أحبها، بجدية أنا لا أحب رينيرا ولا أحب أي فتاة».

«هي لن تظن هذا أبدًا، أخبرتك أنها هادئة، أصبحت تمارس هوايات مختلفة كالرسم والباليه، وتشارك جيسيكا هواياتها».

ما قصة ليدير؟ كيف يعرف كل هذا عن رينيرا؟ أهو حبيبها أم ماذا؟!

ضيقت عيني ونظرت له بجدية، وسألته بريبة:
«كيف تعرف كل هذا؟».

ضحك بخفة على ما قلته، وأجاب بمرح:
«لأنني أخوها الكبير».

«ماذا؟!! ماذا تعني بأخوها؟! أتسخر مني يا ليدير؟!».

«لا، جديًا أنا توأم رينيرا الكبير، أختي البلهاء كانت مصدرًا للمصائب لذا لم أكن أريد من أي أحد أن يعرف عن علاقتنا».

عيني ما زالت متسعة من الصدمة، وفكي يكاد يلمس الأرض من الصدمة، كيف لليدير، الفتى المهذب المحترم ذو الخلق السامي أن يكون توأم تلك الفاسقة التي داست على قلوب كل عاشقيها واختارتني.

«بارسي».

لوح بيده امام وجهي، لكن عقلي توقف عن العمل للحظة، بل للحظات، هذا آخر ما توقعته في حياتي.

أصدق أن التنانين والديناصورات والفضائيين كائنات حية ولا أصدق أن ليدير المحترم أخ تلك الفتاة التي تحرشت بي في حصة العلوم.

«يا فتى، الأمر ليس صادمًا لتلك الدرجة».

«أنت لا تشبهها البتة».

وقف ومد يده لي، فوضعت يدي على يده ووقفت، مشيت معه وأنا أشرب كأس العصير، عدنا إلى الحفل واتجهنا إلى مقعدين يجلس عليهما رجل وامرأة.

رجل أشقر ذو عيون رمادية هافتة كخاصة ليدير، والمرأة سمراء البشرة ذات شعر أسود قصير وعيون عسلية مميزة.

تقدمنا إليهما إلى أن وقفنا بجانبهما على مسافة جيدة، فتحدث ليدير بمرح:
«بارسيفال هذان والداي ووالدا رينيرا».

نظرت لهما بريبة، وحييتهما بأدب.
«سررت بالتعرف عليكما سيدا تشاربن، أنا بارسيفال إيڤالوس».

تكلمت السيدة تشاربن بلطف ترد علي التحية:
«تشرفنا بالتعرف عليك بارسيفال، أأنت شريك رينيرا في مشروع العلوم العام الفائت؟».

«نعم».

«كيف حالك يا صغيري؟».

«بخير، شكرًا على سؤالك سيدتـ …».

- بارسي!

نظرت لمصدر الصوت بتفاجؤ، وكما ظننت هذا الصوت يخص ليون، ارتمى في حضني بلا مقدمات فبادلته العناق.

«أين كنت يا بارسي؟ لقد بحث عنك كثيرًا».

ترك حضني وسحبني من يدي بقوة، فنظرت لليدير.

«شكرًا على هذه المقابلة يا ليدير، أراك لاحقًا».

استجبت لسحب ليونارد لي ومشيت معه إلى أن وصلت لمكان يجلس فيه لين ابن عمي أنطونيو، وفتاة صغيرة بعمرهم.

توقفنا أمامهم فأشار على لين ببراءة وتحدث بحماس، حماس ليون يجعلني أريد أن أعرف حتى ما أعرفه مسبقًا.

«هذا ابن عمي أنطونيو، اسمه لين».

حرك يده وأشار على الفتاة، حسنًا، تبدو الصغيرة وكأنها تحبس دموعها، لا تخبرني أن ليون مارس ساديته وتسلطه عليها.

«هذه ميرا، ابنة خالي لانس، وأنا ليون».

نظرت لصغير لين بفضول، أتساءل ما الذي جعل عمي يتبنى طفلا بعد كل هذه السنوات، وهو مجرد طفل صغير، توقعت أن يتبنى مراهقًا.

«بارسي».

أعدت نظري لليون وابتسمت بلطف، جديًا أنا أحب هذا الولد.

«لوزالي عادت للمنزل بعد أن مرضت».

وضع يده على جبينه وأكمل حديثه بدرامية طفولية:
«لقد أصبحت ساخنة جدًا، فعادت مع ماما».

«إنها مسكينة حقًا».

وضعت يدي على خد لين بحب لا أعرف كيف نمى، فنظر لي ببراءة استنزفت كامل قوة تحملي، إنه ظريف جدًا.

«ليو».

نظرنا للفتاة الصغيرة حين تكلمت بنبرة باكية، إن دموعها في عينيها وتستعد للهبوط بعد لحظات.

«ميرا».

«ليو».

تقدم ناحيتها وأمسك بيدها فوقفت حتى تذهب معه، فوقف لين ليذهب معهما.

«وداعًا بارسي».

غادر ثلاثتهم تاركينني وحدي، الآن أين أندرياس؟

تايلور وميليسا سيغادران الآن، هذا جيد.

جيد جدًا!

...

وقفت سلڤيا أمام والدها وصديقه في مكان بعيد عن الضوضاء الشديدة في منتصف المكان.

يجلس فيليكس على الكرسي يمينه فيليب ديڤارو، ويمين فيليب يجلس ابنه دانيال ويتكأ على كتف والده وغارق في نوم عميق.

«لا أنا لم أره، ربما يكون غادر».

«يستحيل أن يغادر ولا يخبرني، سأبحث عنه».

تكلم فيليب بزرانة وهو يعيد دانيال لكرسيه:
«ربما يكون في مكان ما هنا، معظم الرجال عندما يكبرون لا يعودوا يتقبلون الموسيقى والضوضاء العالية».

ضمت ذراعيها لصدرها بتفكير، ثم نظرت لدانيال الذي عاد متكئًا على كتف والده، ابتسمت بلطف، وسألت فيليب:

«أهذا ابنك؟».

«نعم، ابن سيسيليا الوحيد».

اومأت برأسها، وأضافت شيء وهي تغادر:
«إنه يشبه موريس كثيرًا».

غادرت بعد جملتها تبحث عن زوجها، عدد من الضيوف غادروا، وهي أيضًا تريد المغادرة لترتاح.

فحملها أصبح يتعبها أكثر بسبب وزنه، لدرجة أنها أمست متشككة من كونه طفلًا واحدًا.

مشت في حديقة القصر تتأكد إن كانت سيارة تيموس في مكانها أم أنه غادر، لكن سراب حركة يسارها جعلها تتوقف لترى ما حدث.

وكأن صاعقة ضربتها لحظتها!
كان تيموس يتحدث مع امرأة بكل أريحية، امرأة لم ترها قبلًا أو حتى تعرفها، لكن ما عرفته أن زوجها يعرفها.

هو ليس شخصًا يتحدث مع أي أحد بكل هذه الأريحية بل هو محافظ على إبقاء مسافة بينه وبين الناس وخصوصًا النساء.

اقتربت المرأة منه واحتضنته، وقبل حتى أن يفكر في مبادلتها أو ابعادها لمح سلڤيا تقف كالمصعوقة في مكانها، تكاد تفقد عقلها مما رأت.

تركته المرأة ونظرت لما ينظر، فصدمت من وقوف زوجته على بعد أمتار منهما.

عيناها متسعة كأن عقلها لم يصدق ما أرسله عصبها البصري، عقلها يريد تفسيرًا لما حدث، لكن ردة فعلها لم تنتظر تفسيرًا، ذهبت تجري في الاتجاه المعاكس.

«سلڤيا! انتظري».

جرت لمكان مجهول، ودموعها تسيل بغزارة راسمة خطًا متألمًا على وجهها، تشعر بنفسها تختنق بمرارة على ما رأت.

<تيمو خانني>.
هذا ما ضرب في زوايا عقلها وهي تكاد تنهار، تتذكر كل لحظاتها السعيدة معه، كل همساته ولمساته، شريط حياتهما الغزلية مر أمام عينيها.

فجأة كسر كعبها، وسقطت على الأرض بقوة، ليكتمل انفجارها بالبكاء في حالة مزرية ستجلب لها شفقة من يراها، ومن حسن حظها أن لا أحد رآها.

ألصقت كفيها بوجهها وبكت بوجع شديد على ما رأت، هذا ما استطاعت فعله حرفيًا، هذه هي قدرتها على تحمل الخيانة.

«لا تبكِ سلڤيا، الأمر ليس كما تتوقعين».

إلتفتت خلفها لتجده يقترب لها بخطوات بطيئة حتى لا تجزع، و على وجهه نظرة مكسورة عليها، نظرة متألمة من وضعها.

فهي ما زالت تذرف دموعها بتحطم مما رأت، وهذا زاد تحطمه، وزاد الشق العظيم في قلبه.

«لا تقترب تيموس، أنا أكرهك أيها الخائن».

«اسمعيني فقط».

نهضت من مكانها بصعوبة، فأحست بألم شديد في قدمها أجبرها على التأوه بتوجع، لكنها رفضت التواجد معه في نفس المكان، لذا قاومت ألمها وحاولت الجري.

أمسك بمعصمها بقوة، وعندما فكر في سحبها له عاد للخلف خطوة سريعة قبل أن تصطدم به لكمة أنطونيو القوية.

فهو وصل توًا، وسحب أخته لحضنه يحاول تهدئتها وهي منهارة في بكاء طويل، مرارة تلتف حول قلبها، مرارة الخيانة دمرتها.

«ابتعد عنها تيموس!».

تقدم ليام -الذي كان واقفًا ويشاهد ما حدث بصدمة- فخاطبه أنطونيو بجدية شديدة:
«احضر جريجوري حالًا».

...

تضع رأسها على فخد أنطونيو وبكاؤها لم يتوقف أو يقل، شعرت بانكسار قلبها لرؤية الشخص الذي كانت تعتبره سندها الوحيد يخونها.

الشخص الذي أمنته على أسرارها، وروحها، وقلبها، وكل شيء فيها رأته مع غيرها بلا تفسير.

أنطونيو يجلس على مقعد في نفس المكان، ويمرر يده على شعرها برفق، ويرمق تيموس ببرود شديد.

أما تيموس فهو يقوم بطواف عسكري منذ سقطت، يمشي ذهابًا وإيابًا للمرة التي لا يحصيها، ويرفع شعره بتفكير بين الحين والآخر.

وجريجوري يركع على ركبته ويتفقد قدم أخته المحمرة بشدة أثر السقوط القوي.

نظر لأنطونيو وقدم له المعلومة:
«ليست مكسورة، إنها متورمة فحسب، تحتاج لبعض الراحة فحسب».

تنهد براحة على الخبر، ثم همس لها برقة:
«أتريدين العودة للمنزل سلڤيا؟ سأطلب من الخادمة تجهيز غرفة لك».

هنا لم يعد تيموس يستطيع السيطرة على نفسه.

تقدم ناحيتها بسرعة، وجثا على ركبتيه أمامها، ووضع يديه على كتفيها بقوة وأعادها للخلف، فجلست سريعًا، وقبل أن ينطق أي منهم كان هو أسرعهم.

«إنها أريلّا».

اتسعت عينيها بصدمة من جملته تلك، وتمتمت بلا وعي:
«أريلا؟؟».

ــــــــــــــــــــــــــــ

جلست ميليسا على سريرها الزوجي بخجل تنتظر كلمات زوجها الذي لطالما أحبته، شعور الخجل سيطر على تلك اللحظات، الدقائق مرت كالساعات.

فتح فمه ليقول أول جملة غزلية بينهما، فعندما كادت تخرج كلمته العاشقة رن جرس المنزل، فسب الطارق بصوت منخفض، وهذه كانت أول جملة له في غرفتهما.

«تبًا له».

زفر بامتعاض، ونظر لها ببرود، ثم اتجه ناحية الباب تزامنًا مع حديثه المتضايق.

«كنت متأكدًا أنه سيأتي، كنت أعرف هذا، بالطبع لن ينسى خطوبتنا، ذلك المشاكس عديم الإحساس».

«من هو تايلور؟».

«ابني الذي أنجبته ونسيته».

خرج من الغرفة فور إنهاء جملته، واتجه لباب المنزل، فور وصوله فتحه بغيظ ليزداد غيظه من ابتسامة بارسيفال الباردة.

«أتمنى ألا أكون قاطعت شيء مهمًا».

دخل للمنزل ببرود متجاهلًا القنبلة التي تكاد تنفجر خلفه، توقف في الممر ونظر لتايلور باستفزاز شديد.

«ما رأيك في هذه المفاجأة تاي؟».

ازدادت ابتسامته اتساعًا ثم ضحك بطريقة مستفزة ونبس باستفزاز يرد به حقه:
«اغلق الباب تاي، تبدو مثيرًا لشفقة».

صفق تايلور الباب بكل قوته، يخفف بعضًا من غضبه على الباب المسكين، اتبع بعينيه عدوه الذي اتجه للمطبخ ببرود تام.

قبل أن يلحق به لمح ميليسا تخرج من غرفتها بفستان منزلي بسيط يلائم عروسًا في أول ليلة لها.

ذهب لها بهرولة، فاستغربت من سلوكه، وقف أمامها تمامًا وقبل أن تعلق باغتها بكلامه السريع:
«عودي لغرفتك وارتدي أي شيء طويل وواسع، لا تجعليه يشد أي زلة علينا».

«من هو؟».

«فقط غيري ملابسك الآن، يجب أن أذهب لرؤية ما يفعله في المطبخ».

ذهب جريًا قبل أن يفهمها أي شيء، دخل للمطبخ فرآه يفتح علبة التسالي ويمسك في يده الأخرى لوح شوكولاتة.

«آه، لقد أتيت سريعًا».

«ألا تستحي؟».

«هذه غريزة تعلمتها منك يا عزيزي، اللا مبالاة».

إتكأ تايلور على إيطار الباب، وهو يتأمل بارسيفال يأكل لوح الشوكولاتة باستمتاع.

اتجه لسلة القمامة ورمى فيها غطاء الشوكولاتة، وبدأ يأكل رقائق التسالي باستمتاع، ينظر لتايلور المغتاظ بشماتة شديد، فهو لم يسامحه على ذاك اليوم بعد.

«أتمنى أن تغادر فأنا مشغول».

«مشغول بماذا يا عزيزي؟ في الأمس كنت أعزبًا، طوال الأربع والعشرين عام كنت أعزبًا، ألا تستطيع التحمل، تمالك نفسك يا رجل».

وضعت علبة التسالي على الطاولة، وذهبت لثلاجة، فتحتها وبدأت أتخير أي مشروب أشرب، توجد كثير من الأنواع المختلفة.

مددت يدي وأخرجت علبة عشوائية وأغلقت باب الثلاجة، فتحت العلبة المعدنية وبدأت أشرب منها، وأمشي في اتجاه الطاولة.

- تايو؟

بصقت المشروب الذي كان في فمي على سطح الطاولة، وانفجرت بالضحك على الدلع الغبي الذي سمعته.

حاولت إخراج صوتي من ضحكاتي العالية، ونبست بسخرية:
«بربك تايو؟ ما الذي كان يزعجك عندما أسميتك تاي؟».

نظرت لميليسا، وتحدث باستهزاء:
«ميليسا كوني جريئة قليلًا، اتركي الألقاب السخيفة وتحدثي بغنج نسائي، قولي حبيبي، عزيزي، قلبي، نبضي، يا قرة عيني».

«بـ بارسيفال متى أصبحت فاسقًا؟».

اتجهت ناحية علبة المناديل على الرخام، وتركت سؤاله معلقًا قليلًا، أخدت منديلين وعدت لطاولة وأجبته وأنا أمسح المشروب عن سطحها.

«ما الذي ستتوقعه مني وأنا أعيش مع زير نساء في نفس الغرفة؟».

«زير نساء؟».

رفعت نظري له، وابتسمت بسخرية على تفاجئه مما سمع، لكنني لا أكذب.

«بالطبع، ومؤكد أنه قام بعدة علاقات في حفل زفافك ما لم يواعد أختك، لكن لا تهتم فأنا بنفسي شخصت مرضه واكتشفت أنه مصاب بمتلازمة عشق البنات».

دخلت ميليسا للمطبخ بخطوات بطيئة، واتجهت ناحية كرسي الطاولة، سحبته قليلًا وجلست عليه، فتقدم لها تايلور وسألها بعطف:

«أهناك مشكلة ميلي؟».

وضعت يدها على بطنها بتوجع وأجابته:
«فقط شعرت ببعض الدوار وبطني آلمتني».

«حامل!».

نظرا لبارسيفال بصدمة، فتحت تايلور بغضب مكبوت لا يريد إظهاره لصغير أمامه:

«من بين كل أمراض العالم، من بين كل الأسباب المختلفة، لم يقع اختيارك إلا على<حامل>».

«لا أصدق ما قمتما بفعله في غيابي، ألا يكفيكما أنكما خطبتما بعضكما من دون علمي، اقسم أنني سأنزل وأخبر السيد إيقور بما فعلتما».

أجابته ميليسا بسرعة قبل أن يفكر في الحركة، فلو وصلت هذه المعلومة الغبية لوالدها سيقتلها ويقتل تايلور معًا.

نظر بارسيفال لتايلور نظرة غريبة لم يفهمها النظير، وسأله بصوت غلبت عليه رنة ناعسة متعبة:
«أين ستقضيان شهر عسلكما؟».

«في الجحيم».

«أتمنى أن تستمتعا فيه، ارسل تحياتي لدييغو باڤاريا».

أعاد غلبة المسروب لطاولة، وتكلم بتعب:
«أتمتلك دواء لدوار؟ أحس بالصداع والدوار وبعض الغثيان».

«لا أعلم، سأرى ربما وضع أبي بعض الأدوية كعادته المملة في وضع دواء في كل مكان».

ذهب لأدرج المطبخ يبحث فيها عن أي دواء يساعد بارسيفال.

«تايلور!».

نظر لزوجته سريعًا عندما صاحت باسمه، ثم استرسلت حديثها وهي تشير لبارسيفال المنهار على الكرسي:

«إن بارسيفال ثمل».

نظر لبارسيفال باستغراب، وتقدم ناحيته ليراه يضع رأسه على سطح الطاولة، وخديه متوردة قليلًا.

«وأنا أتساءل لما يتصرف بغرابة».

رفع علبة المشروب المعدنية ونظر لمحتواها واسمها.

«إنه ليس مشروبًا بل نبيذًا خام، أنا لم اشتريه، ووالدي لا يحب هذه الأشياء، إذًا من وضعه في ثلاجتي حتى يسقط في يد هذا المتخلف».

أعاد العلبة لسطح الطاولة، ثم وقف على ركبته أمام الصغير يتمعن وجهه وهو نائم.

«إنه منتشي لأقصى حد».

«تايو».

نظر لزوجته وهمهم لها حتى تكمل حديثها.

«هذا النبيذ يحتوي على منشط».

«رائع، رائع جدًا، والدي يظنني خجولًا، من قوة المنشط جعل بارسيفال ينام، هذا دليل على أن المشروب منتهي الصلاحية».

وضع ذراعه تحت ربكتي بارسيفال، وذراعه الأخرى تحت ظهره، ورفعه بين يديه بتوازن.

«من الجيد أنه أصبح ثقيلًا، هذا دليل على أن وزنه زاد، إلى أين آخده؟».

أمسك بارسيفال بقميص تايلور، وتمتم له بانتشاء:
«خدني معك تاي».

ابتسم تايلور بلطف على مطلب الصغير وأجابه بود:
«لا تقلق، يدي بيدك إلى كل مكان».

ــــــــــــــــــــــــــــ

قصر آل دارسيا.
بعد أن قل عدد الضيوف، لكن البقية ما زالوا منسجمون بأجواء الحفل الممتعة.

في مكان منعزل في الحديقة، على مقعد خشبي بسيط، تجلس إينيس -أم تايلور- وحدها وتبكي بحزن.

تلصق كفيها بوجهها، وتشهق بين الفترات بيأس، كأن ابنها مات ولم يغادر المنزل فحسب.

فجأة سمعت صوتًا رجوليًا نبس خلفها بهدوء:
«ألا ترين الأمر قاسي ريليانا؟».

لم تلتفت لمصدر الصوت، فنبرته عالقة في رأسها منذ سنوات طوال.

تقدم ناحيتها إلى أن جلس بجانبها على الكرسي تاركًا فاصلًا بينهما، وكما ظنت ما هو إلا ريتشارد برييل.

«لم آتي لحضور حفل الزفاف بقدر ما أردت القدوم لمحادثتك، لما تبكين ريليانا؟».

لم تعبر وجوده بجانبها نهائيًا، أكملت وصلة بكائها كما كانت، كأنه لم يجلس بجوارها.

«كان الأمر قاسيًا ريليانا، ألم تفكري في وقع الصدمة علينا؟».

«ألم تفكروا بي قبل أن أفكر بكم؟».

«من القسوة أن تجعلي أبًا يرى ابنه أول مرة في حفل زفافه، عندما رأيت تايلور أول مرة أمام قصر إيڤالوس أحسست بارتجاج في رأسي ولم أصدق».

أبعدت يديها من وجهها ونظرت له ببرود، فحديثه أزعجها أكثر من كونه كان عابرًا.

«أنت لن تخبر تايلور، أليس كذلك؟».

«لا أعلم، لكن يجب عليك أنتِ أن تخبريه، سيعتبرك كذابة ويحتمل أن يكرهك، لقد أخفيتي عنه نسبه».

أعادت ظهرها لمسند المقعد تحلل كلامه في رأسها، مع أن كلامه مقنع لكن عقلها لا يريد تقبله، وقلبها يرفضه، وليس لسبب وجيه، فقط لأن ريتشارد من قاله.

«ريتشارد، نسب تايلور لن يكون برييل أبدًا، لذا كفاك استخفافًا بعقلي، أنا أدرى بما يناسب ابني، لذا لا تهتم نيكولاس يرعاه».

وقفت وغادرت المكان بعدها.

ـــــــــــــــــــــــ

يجلس أندرياس في مقعده في سيارة خاله، ويعيد مسند الكرسي للخلف باسترخاء، على فخديه حاسوب خاله الذي يعرض له فلم أكشن لمصاص دماء.

جالس في السيارة المقفلة منذ ساعات، فبسبب نظره في كل مكان كالمجنون حبسه أليكس حتى لا يصاب بضرر في عيونه.

يشاهد بلا ترجمة أو دبلجة، مع أن مستواه الإنجليزي ليس بعالي لكن رغبته في القراءة معدومة.

أطفأ الفيديو قليلًا عندما سمع صوت رنين هاتفه، أخرج الهاتف من جيبه ونظر لرقم المتصل غير المعرف.

أجاب عليه ووضع الهاتف على أذنه، ليخرق سكون السيارة حوله صوت أنثوي.

- مرحبًا

«اعتذر، لا أتحدث مع الفتيات».

أغلق الخط قبل سماع ردها، وشغل الفيلم ليكمل مشاهدته، لكن فتح الباب بجانبه، وصعد ألكس في مقعده خلف المقود، وسأل قبل أن يغلق الباب:

«ألم ترى بارسيفال؟».

«كيف أراه وأنت حبستني في السيارة منذ أكثر من ساعة؟».

«يبدو أننا سننام لوحدنا، حسنًا لا يهم».

شغل السيارة وبدأ القيادة، فتحدث أندرياس بجدية:
«ماذا حدث مع سيرجي؟».

«لقد غادر روسيا، أساسًا هو زور اسمه وجنسيته، ويبدو أنه عرفك قبل أن تعرفه، فبعد أن تقصيت الأمر هو كان يريد مغادرة الطائرة عندما رآك صعدت لكن القوانين لم تسمح له».

«إذًا عرفني».

«نعم، لكن لا تهتم مهما طال عمره فنهايته الموت لا محالة».

اطفأ الحاسوب وأغلقه، وسرح في الرؤيا الخارجية من النافذة، لكنه نطق بحقد بلغ ذروته:
«لكن ليس أي موت، بل موت يساوي آلامي النفسية وآلام ذاك الصغير المتوفى».

ـــــــــــــــــــــــــــ

دخل أنطونيو لقصره حتى يرتاح من كل ما أثقل كاهله، ترك طفله في الحفل مع الأطفال بعد أن أكد لجريجوري أن يحضره معه.

يريد أن ينام لا غير، نومة طويلة تخفف صداعه الشديد، منذ موت لارين لم تعد له قابلية على حفلات الزفاف، يذهب لها مجاملة فقط، ويعود مصابًا بصداع شديد.

«أنطونيو».

توقف عن المشي عندما سمع اسمه، والتفت خلفه ليرى من صدمه، ابن عمه الصغير الذي ظنه يحب لارين قبل كثير من السنوات.

تقدم رالف نحوه باتزان، مع أنه متوتر قليلًا من ردة فعله، لكنه ضبط نفسه إلى أن وقف أمامه.

«مرحبًا أنطونيو».

«رالف؟!».

انزل نظره للأرض بتوتر، فهو لا يدرِ ما مشاعر أنطونيو تجاهه بعد أن ماتت زوجته بسببه.

«نعم».

«أين كنت يا فتى؟ لقد كنت طفلًا عندما اختفيت».

«أعرف أنني تأخرت لكنني أتيت لاعتذر عما حدث بسببي، أنا لـ …».

توقف عن الحديث وترك بقية كلماته معلقة عندما وضع أنطونيو كفيه على خدي رالف، ثم امتدت يديه لرقبته وسحبه إلى أحضانه مانحًا الأصغر حضنًا دافئًا.

«لست المخطئ بل أنا لذا سامحني رالف، لا أعرف كيف صدقت أنك تحب لاري».

«كنت خائفًا من أن تغضب مني، لم أكن أريد أن أراك كشخص قاسي، حتى بعد موت جدي لم استطع العودة لمقابلتك».

«أتعرف رالف، مهما كبرت تظل طفلًا أحمقًا كما عهدك، مرحبًا بك في عائلتك مجددًا ابن عمي اللطيف رالف».

يتبع …

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، هازم الأحزاب، زلزل الأرض تحت أقدامهم.
لا تنسوا الدعاء لأهلنا في غزة وفلسطين.

تقييمكم للفصل؟

فصل هادي جدًا.

هل ربطتم شيء في هذا الفصل، كعلاقة ربما …؟

استودعكم الله.
الكاتبة: شهد.

Continue Reading

You'll Also Like

140K 8.4K 28
اول شي متحمسة وخايفة هذي أكثر خطوة جريئة أخذها في حياتي و اول مرا اكتب بس قلت ليش لا وبس والله القصه: تتحدث القصة عن ناثان فتى في الثالثة عشر من عمره...
71.9K 3K 27
"لا أصدق أن هذا يحدث معي ... لما بحق الجحيم لم تقتلوني قبل أن آتي إلى هذه الحياة ..." إلياس هو الابن الأوسط الغير شرعي لرجل الأعمال ثيودور جرينفيل...
119K 7.7K 36
لاأريد العودة لكن من سيستمع؟ بين براثين ذلك المختل الذي يهابـة هل يمكنه العيش بـ حرية بذلك السجن؟ ام سيجعل السجن حريته؟ الرواية نقيه خالية من الع...
1.1M 52.1K 27
في خصم الضياع الطويل بين ما أريد وما لا أريد بين ماتفرضه علي الأيام دومآ ما أشعر بأنه يتحتم علي الهروب والاعراض لاأشعر بالصله لشئ محيط بي وكأنني طي...